عاد ملف الحظر الأوروبي على الطيران العراقي، بعد سنوات من القيود الصارمة، ليتصدر المشهد مجددًا، مع تصاعد مؤشرات توحي بقرب انتهاء ما يمكن وصفه بـ«الخريف الجوي» الذي خيّم طويلًا على أجواء العراق. فهل اقتربت فعليًا لحظة رفع الحظر؟ أم أن الطريق لا يزال محفوفًا بشروط تقنية وسياسية معقدة؟
خلفية الحظر الأوروبي على الطيران العراقي
وقالت مصادر إن الحظر الأوروبي فُرض على شركات الطيران العراقية بشكل تدريجي منذ عام 2015، بقرار من وكالة سلامة الطيران الأوروبية (EASA)، على خلفية مخاوف تتعلق بضعف أنظمة السلامة الجوية، وقصور الرقابة الفنية والإدارية، وعدم توافق معايير الطيران العراقية مع متطلبات السلامة الأوروبية، إلى جانب تحديات البنية التحتية للمطارات وأنظمة الملاحة.
وأوضحت أن الحظر، رغم أنه لم يكن شاملًا لكل الرحلات، إلا أنه شمل منع الطائرات العراقية من الهبوط في المطارات الأوروبية، ما شكّل ضربة قاسية لسمعة الناقل الوطني العراقي.
سنوات من العزلة والخسائر
وكشفت المصادر أن استمرار الحظر أدى إلى خسائر مالية ضخمة لشركة الخطوط الجوية العراقية، وتراجع الإيرادات السياحية، وتقلص حركة المسافرين بين العراق وأوروبا، ولجوء العراقيين إلى شركات أجنبية بتكلفة أعلى. كما فقد العراق فرصة استثمار موقعه الجغرافي كمحور عبور جوي إقليمي. ولم يكن الحظر مجرد إجراء تقني، بل حمل أبعادًا رمزية، إذ اعتبره مراقبون مساسًا بصورة الدولة وقدرتها على إدارة قطاع حيوي مثل الطيران المدني.
محاولات عراقية متكررة لكسر الحظر
وقالت إنه منذ عام 2018، أعلنت الحكومة العراقية سلسلة إجراءات لإصلاح قطاع الطيران، شملت إعادة هيكلة سلطة الطيران المدني، وتحديث أنظمة السلامة والملاحة الجوية، وتدريب الكوادر الفنية وفق معايير دولية، والتعاقد مع شركات استشارية أجنبية، لكن هذه الجهود ظلت تصطدم بتقارير أوروبية تعتبرها غير كافية أو بطيئة التنفيذ.
حيث عملت الخطوط الجوية العراقية على إخراج الطائرات القديمة من الخدمة، وإدخال طائرات حديثة من طرازات معتمدة أوروبيًا، والالتزام ببرامج الصيانة المعتمدة دوليًا، وهي خطوات ساهمت في تحسين صورة الناقل العراقي تدريجيًا.
مؤشرات الانفراج.. هل انتهى الخريف الجوي؟
وأوضحت أنه خلال العامين الأخيرين، استقبل العراق فرق تقييم فنية من الاتحاد الأوروبي، ركزت على إجراءات السلامة الجوية، وجاهزية المطارات، واستقلالية سلطة الطيران المدني، والامتثال لمعايير EASA. وأفادت مصادر رسمية بأن نتائج بعض الزيارات كانت «إيجابية مقارنة بالسنوات السابقة».
حيث صدرت عن مسؤولين عراقيين تصريحات تؤكد اقتراب رفع الحظر جزئيًا، ووجود تفاهمات تقنية مع الجانب الأوروبي، واستكمال أغلب الملاحظات المطلوبة، ما عزز التكهنات بأن صفحة الحظر قد تُطوى قريبًا، ولو تدريجيًا.
شروط أوروبا.. لماذا لا يزال القرار مؤجلًا؟
وتشدد وكالة سلامة الطيران الأوروبية على أن قرار رفع الحظر تقني بحت، ويعتمد على الاستدامة في تطبيق المعايير، وعدم الاكتفاء بإصلاحات مؤقتة، ووجود رقابة مستقلة وفعالة، وهو ما يعني أن أي تراجع قد يعيد العراق إلى نقطة الصفر.
ويرى خبراء أن أوروبا تخشى تدخلات سياسية في قطاع الطيران، وضعف استقلالية الهيئات الرقابية، وتأثير الأوضاع الأمنية الإقليمية، ما يجعل الحذر الأوروبي مبررًا من وجهة نظر بروكسل.
الأبعاد السياسية والاقتصادية لرفع الحظر
يُذكر أنه في حال رفع الحظر الأوروبي، سيحقق العراق زيادة في حركة الطيران والسياحة، وتحسين إيرادات الخطوط الجوية العراقية، وجذب استثمارات في قطاع النقل الجوي، وتخفيض كلفة السفر على المواطنين.
هل الرفع سيكون كليًا أم تدريجيًا؟
وترجح مصادر أن تبدأ أوروبا بالسماح لعدد محدود من الطائرات، وتحديد مسارات معينة، وفرض رقابة مشددة في المرحلة الأولى، وهو نموذج طُبق سابقًا مع دول أخرى خضعت لحظر مشابه.
كما يبقى هذا الخيار مرهونًا بإثبات الاستدامة في معايير السلامة، ومرور فترة تجريبية دون ملاحظات، والالتزام طويل الأمد بالإصلاحات.
هل طُويت صفحة الحظر فعلًا؟
ورغم كل المؤشرات الإيجابية، لا يمكن الجزم بأن الحظر الأوروبي على الطيران العراقي أصبح من الماضي. فالمشهد لا يزال في مرحلة «الانتقال من الخريف إلى الربيع»، حيث تتقدم الإصلاحات بخطى ثابتة لكن حذرة، والقرار النهائي بيد المؤسسات الأوروبية، لكنه هذه المرة يستند إلى معطيات أكثر إيجابية مما كان عليه الحال قبل سنوات.
واختتمت المصادر أن الخريف الجوي الذي أثقل كاهل الطيران العراقي يبدو أنه يشارف على نهايته، لكن الربيع المنتظر لن يزهر تلقائيًا، بل يحتاج إلى التزام دائم، وإدارة مهنية، وإرادة سياسية تحمي ما تحقق. فهل ينجح العراق في اجتياز الاختبار الأخير؟ أم تعود الغيوم مجددًا إلى سمائه؟ الإجابة ستتضح في الأشهر القليلة المقبلة.

