تشهد مدينة القيروان، إحدى أبرز مدن الداخل التونسي، حراكًا احتجاجيًا متصاعدًا يعكس حالة احتقان اجتماعي واقتصادي متراكمة منذ سنوات.
وقالت مصادر: إن هذه التحركات، التي انطلقت على خلفية مطالب معيشية وتنموية، أعادت إلى الواجهة سؤالًا محوريًا، هل تتحول احتجاجات القيروان إلى شرارة تشعل موجة غضب أوسع في المدن الداخلية المهمشة، أم ستبقى في إطارها المحلي كما حدث في محطات سابقة؟
مدينة التاريخ وعمق الأزمة
وأكدت مصادر، أنه رغم مكانتها التاريخية والدينية، تعاني القيروان من اختلالات تنموية عميقة، من نسب بطالة مرتفعة، وتراجع الاستثمار، وضعف البنية التحتية، وشح فرص العمل للشباب، وكلها عوامل جعلت المدينة نموذجًا مصغرًا لأزمة الداخل التونسي، ومع تفاقم غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، بات الشارع أكثر استعدادًا للاحتجاج، خاصة في ظل شعور متزايد بانسداد الأفق.
وقالت: إن اللافت في تحركات القيروان الأخيرة أنها لم تكن ذات طابع سياسي مباشر، بل انطلقت من مطالب اجتماعية واضحة، وهو ما يمنحها زخمًا شعبيًا أوسع ويجعلها أكثر قابلية للامتداد إلى مدن أخرى تعيش الظروف نفسها.
ما الذي يقوله الشارع؟
وأوضحت المصادر، أن الحراك في القيروان يحمل عدة رسائل أساسية حيث يعتبر المحتجون أن السياسات المتعاقبة لم تنصف مدن الداخل مقارنة بالساحل والعاصمة، كما تتكرر الشعارات التي تنتقد ما يصفه الشارع بـ”الوعود غير المنجزة” وخطط التنمية المؤجلة وضغط المعيشة اليومية من ارتفاع الأسعار ونقص بعض المواد الأساسية زادا من حدة الغضب الشعبي، هذه الرسائل وفق المصادر لا تخص القيروان وحدها، بل تتقاطع مع مطالب سكان مدن مثل سيدي بوزيد، القصرين، وقفصة، ما يعزز فرضية انتقال الاحتجاج من مدينة إلى أخرى.
هل تعيد القيروان سيناريو 2010؟
وكشفت المصادر، أنه لا يمكن فصل أي حراك في الداخل التونسي عن الذاكرة الجماعية لانتفاضة 2010–2011، التي انطلقت شرارتها من سيدي بوزيد، ورغم اختلاف السياق السياسي اليوم، إلا أن العوامل الاجتماعية المتشابهة تثير المخاوف من تكرار سيناريو توسع الاحتجاجات.
غير أن المصادر ترى أن الوضع الحالي أكثر تعقيدًا؛ فالدولة تمر بأزمة مالية خانقة، والمجتمع يعاني من إنهاك طويل، ما قد يدفع الاحتجاجات إما إلى التصاعد السريع أو إلى الخفوت نتيجة غياب أفق واضح للتغيير.
المدن الداخلية على صفيح ساخن
وقالت المصادر: إنه لا تبدو القيروان استثناءً، إذ تشهد عدة ولايات داخلية توترًا اجتماعيًا متقطعًا.
في القصرين، تتجدد الاحتجاجات مع كل أزمة اقتصادية أو حادثة اجتماعية. وفي سيدي بوزيد، ما يزال مطلب التنمية حاضرًا بقوة.
أما في قفصة، فتطفو أزمات الفوسفات والتشغيل على السطح باستمرار، هذا التشابه في الأسباب يجعل أي تحرك ناجح في القيروان مرشحًا ليكون مصدر إلهام لمدن أخرى، خاصة إذا شعر الشارع بأن الاحتجاج يحقق مكاسب ملموسة.
موقف السلطة.. احتواء أم تجاهل؟
يذكر، أن السلطات التونسية تعتمد غالبًا على مقاربة مزدوجة في التعامل مع الاحتجاجات: الوعود من جهة، والإجراءات الأمنية من جهة أخرى، وفي حالة القيروان، صدرت تصريحات رسمية تؤكد “تفهم المطالب” و”العمل على معالجتها”، لكن دون إعلان خطوات عاجلة واضحة.
وترى المصادر، أن غياب حلول سريعة وملموسة قد يزيد من حالة الاحتقان، ويمنح الحراك زخمًا إضافيًا، خاصة في ظل ضعف الثقة بين الشارع والمؤسسات الرسمية.
ما هو دور النقابات والمجتمع المدني؟
وتلعب المنظمات النقابية والجمعيات المحلية دورًا محوريًا في توجيه الاحتجاجات، إما نحو التصعيد أو الاحتواء. فإذا تبنت النقابات مطالب القيروان ووسعتها وطنيًا، قد يتحول الحراك إلى موجة احتجاج اجتماعي أوسع.
أما إذا بقيت التحركات عفوية ومجزأة، فقد تظل محدودة التأثير، كما أن غياب قيادة موحدة للاحتجاج يجعل مساره مفتوحًا على عدة احتمالات، بين التصعيد المفاجئ أو الانحسار التدريجي.
السيناريوهات المحتملة
يذكر أنه وفق المصادر، فالقيروان أمام ثلاثة سيناريوهات رئيسية: منها اتساع رقعة الاحتجاجات في حال تدهور الأوضاع المعيشية ،وعدم استجابة الدولة، واحتواء مؤقت عبر وعود رسمية دون حلول جذرية، ما يؤجل الانفجار ولا يمنعه وخمود تدريجي إذا فقد الشارع الزخم أو انشغل بأزمات يومية أكثر إلحاحًا.

