يعتبر 2022 هو عام الفشل والهزيمة بجدارة لميليشيات الإخوان في العالم كله، إذ كُتب فيه نهايتهم سياسيا وفشل مخططاتهم لنشر العنف والفوضى والفساد بالعديد من البلدان، بهدف السيطرة وتنفيذ مخططاتهم السوداء لتقسيم الدول، ليلقوا هزائم عديدة في مختلف القارات لا سيما أوروبا.
وانتقل فشل الإخوان عبر البحر المتوسط ليتجاوز الدول العربية والأفريقية ويصل حتى أوروبا، التي كانت حتى وقت قريب الحاضنة والملاذ الآمن للجماعة الإرهابية، وتمكنت في تأسيس شبكة علاقات من جنسيات مختلفة، تداخلت فيها المصاهرات السياسية.
وتحقق فشل الإخوان في أوروبا بعد أن عززت عدة دول أوروبية إجراءات مكافحة الإرهاب والتطرف على أراضيها، في مقدمتها النمسا وألمانيا وفرنسا، التي حظرت نشاطات وشعارات جماعة الإخوان، كما قام المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا بطرد كافة الواجهات الإخوانية من عضوية المجلس وفي مقدمتهم المركز الإسلامي في ميونخ واتحاد الطلبة التابع لهم.
وجرد المجلس إبراهيم الزيات المعروف بوزير مالية الإخوان من كافة مناصبه داخل الاتحاد، في واحدة من الهزائم المريرة للتنظيم في أوروبا، وفي جلسة استماع عقدها البرلمان الألماني في 19 سبتمبر الماضي، حول خطر الإسلام السياسي، تم التأكيد على ضرورة الكشف عن مصادر الأموال للإسلام السياسي في ألمانيا.
كما بذلت كذلك ألمانيا والنمسا جهودا واسعة في محاربة التطرف والإرهاب ونجحتا بشكل جيد في الحد من أنشطة الجماعات المتطرفة، من خلال وضع بعض المنظمات والجمعيات تحت المراقبة والبعض الآخر تم حظرها، كما قامت فرنسا بترحيل شخصيات مقربة من الإخوان المغاربة نظرا لتطرفهم.
وفي النمسا، أصدرت الحكومة بشأن أنشطة التنظيم، إجراءات تتبع أموال المؤسسات التابعة للتنظيم، والمواجهة الفكرية، بجانب الإجراءات الأمنية، إذ أصدر مركز توثيق الإسلام السياسي التابع للحكومة النمساوية، تقريرا تضمن كافة الأزمات التي سببها الإخوان.
وقال التقرير: إنه تم العام الماضي رصد أنشطة متطرفة لجمعيات تخضع لسلطة التنظيم بشكل غير مباشر، وأخضع المركز الجمعية الإسلامية في النمسا للتدقيق والدراسة، ورصد (28) خطبة لإمام مسجد يدعى إبراهيم الدمرداش، وهو أحد المشتبه بهم الـ70 الذين يجري التحقيق معهم بين حين وآخر بسبب انتمائهم للإخوان.
بينما يتوقع الباحثون في الشؤون الإسلامية، إصدار حزمة إجراءات جديدة لمحاصرة أنشطة “الإخوان”، إذ إن ذلك التقرير هو الخامس خلال الثلاث سنوات الماضية بشأن الخطر الذي يمثله انتشار تنظيم الإخوان في دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام، وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والنمسا.
فيما لاحظ الاتحاد الأوروبي من خلال الأجهزة الاستخباراتية تمرير كميات ضخمة من الأموال التي جمعتها داخل أوروبا مؤسسات تابعة للتنظيم، بلغت نحو 1.2 مليار يورو، وهذه الأموال خرجت لدول في منطقة الساحل الإفريقي، وتبين أنها وصلت بأيدي أجنحة سرية ومسلحة تتبع الإخوان.
ووفقا لهذه المعلومات، دفع الاتحاد الأوروبي لإقرار مراجعة شاملة لحركة الأموال التي بأيدي تنظيم الإخوان، لمنع وصولها للتنظيمات الإرهابية في إفريقيا والشرق الأوسط، وعلى هذا، تراقب الأجهزة الاستخباراتية حجم الأموال لدى المؤسسات التابعة للتنظيم، ومن المتوقع أن تصدر قرارات أكثر صرامة فيما تعلق بحركة هذه الأموال.
وفي تقدير رئيس المجلس الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات جاسم محمد، فإن الإجراءات النمساوية ضد تنظيم الإخوان وغيره من التنظيمات المتطرفة “هي أكثرة قوة ومباشرة من نظائرها بالدول الأوروبية الأخرى، مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا”.
ومن الأمثلة للإجراءات النمساوية، أن النمسا تنسق مع الدول الأوروبية الأخرى لتبادل المعلومات والوثائق بشأن تنظيمات التطرف بشكل مكثف، لتحقيق أعلى درجة من محاصرتها، ويمكن اعتبار النمسا ساحة نظيفة من العمليات الإرهابية خلال العامين الماضيين بفضل هذه الإجراءات.
فيما تتجه النمسا لتطبيق سياسة أكثر صرامة وحسماً، خاصة مع خشية تنامي العمليات الإرهابية الفترة المقبلة في بلاد أوروبا على يد تنظيمات تستغل الحالة الأمنية والسياسية الراهنة.
وتشهد ألمانيا منذ أيام اضطرابات أمنية، منها قيام حركة “مواطنو الرايخ” بمحاولة انقلاب على نظام الحكم، ووصفتها السلطات بأنها محاولة إرهابية.
وفي أوروبا أيضا، وجهت تركيا للإخوان صفعات قوية، بعد أن كانت بقعتهم المفضلة وراودتهم أحلام إعادة الخلافة العثمانية من جديد، لكنهم أفاقوا من أوهامهم على سلسلة من الهزائم لم يكونوا يتوقعونها، لكن ظهر كذب هذا الادعاء، بعد أن تصارعوا في منفاهم الاختياري على الأموال والنفوذ والسلطة وعلى التعامل مع المخابرات الغربية بأنواعها، متسترين بالدين.
كما اكتشف أعضاء الإخوان، هشاشة التنظيم الذي انشق لأول مرة إلى ثلاث جبهات، كل جبهة تزعم أنها هي المستحقة بالقيادة وفق اللائحة، الأولى جبهة المكتب العام وهي أقلهم عددًا وأكثرهم جرأة في الاعتراف بحملهم للسلاح وفي رغبتهم في التغيير عبر الاغتيالات، والثانية جبهة محمود حسين وهي قليلة العدد ولكنها متماسكة بفضل احتفاظ أعضائها بملفات الداخل المصري وملفات التمويل الخارجي، وأخيرا جبهة إبراهيم منير التي كانت تعد أكثرهم عددًا ولكنها لا تحظ بتأييد الإخوان في الداخل المصري.
وحاولت كل جبهة أن تصنع لنفسها سياجًا فكرياً مختلفاً عن الأخرى منبثقًا من فكر حسن البنا ومتمسكًا برموز الجماعة التقليدية، فأصدرت جبهة المؤتمر العام وثيقتها السياسية في أكتوبر الماضي، وكذلك جبهة “منير” التي قامت بإصدار وثيقتها السياسية لرسم خطواتها القادمة وتحديد علاقتها بكل القوى السياسية، إلا أن الكثيرين تشككوا في صدق تلك الوثائق.
كما شهد العام الماضي العديد من الصراعات العلنية وخروجها للإعلام بشكل واضح، بعد قيام كل جبهة بفصل الآخرين من الجماعة، فقد قام محمود حسين بفصل نائب المرشد إبراهيم منير و15 من قيادات الإخوان التابعين له، وبالمقابل قام إبراهيم منير بفصل “حسين” ورفاقه الستة، ثم عندما قام “حسين” بتعيين لجنة لإدارة الجماعة وتتولى مهام القائم بالأعمال، وعلى رأسهم “مصطفى طلبة” قام “منير” بفصل طلبة ومعهم 51 عضوا من أتباع حسين، ثم توالت مظاهر تهاوي التنظيم وعدم اتفاقهم على قيادة واحدة ولا على مسارٍ واحد ، ولا على أولويات واحدة، حتى جاءت وفاة إبراهيم منير في نوفمبر الماضي.
التخلي الأخير
وفي نهاية العام، التقى الرئيس التركي أردوغان مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الدوحة على هامش افتتاح بطولة كأس العالم في نوفمبر الماضي وتصافحا لأول مرة، ما كان صفعة قوية للإخوان، وصرح أردوغان عقب تلك المقابلة بأنه تحدثت مع الرئيس السيسي لمدة 45 دقيقة، وأنه يسعى للتطبيع الكامل في العلاقة مع مصر.
وجاءت الصفعة التالية في شكل تصريحات نائب وزير الثقافة التركي سردار جام، بأن الإخوان على علاقة بالتنظيمات الإرهابية مثل داعش، وما تبعه من تحقيقات موسعة من المخابرات التركية مع عناصر الإخوان واحتمال بإبعاد قيادات إخوانية عن تركيا أو تسليم مطلوبين أمام القضاء للدولة المصرية.
لم يكن تغير موقف تركيا من الإخوان إخفاقًا أو هزيمة، بل كان أكبر من ذلك، كان بمثابة صدمة سحقت أي بارقة أمل في تسوية أزمتهم، التي تفاقمت في عام 2022 الذي يستحق أن يطلق عليه الإخوان عام الهزائم والخسائر والإخفاقات.