مع توالي الشهادات الميدانية ومقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، بات البرهان في قفص الاتهام سياسيًا وأخلاقيًا، في وقت تتسع فيه رقعة الغضب الشعبي والدولي إزاء ما جرى في واحدة من أكثر الولايات كثافة سكانية وزراعية في البلاد.
ما هي الكنابي؟
الكنابي هي تجمعات سكنية عشوائية، نشأت منذ عقود حول المشاريع الزراعية الكبرى، وعلى رأسها مشروع الجزيرة. يقطنها في الغالب عمال زراعيون من ولايات الهامش السوداني، مثل دارفور وكردفان والنيل الأزرق، إضافة إلى مهاجرين داخليين فقراء.
وقالت مصادر: إنه رغم دورهم الحيوي في دعم الاقتصاد الزراعي، ظلت هذه التجمعات مهمشة، محرومة من الخدمات الأساسية، وتُستخدم سياسيًا كخاصرة رخوة في النزاعات.
وتكتسب الكنابي حساسية مضاعفة في ظل الحرب الحالية، إذ ينظر إليها بعض قادة الجيش وميليشياته المتحالفة باعتبارها حاضنة اجتماعية محتملة لقوات الدعم السريع، وهو توصيف ينفيه سكانها، مؤكدين أنهم مدنيون لا علاقة لهم بأي طرف عسكري.
ماذا حدث في ولاية الجزيرة؟
وأوضحت المصادر، أنه شهدت عدة مناطق في ولاية الجزيرة، خصوصًا شرق وجنوب الولاية، عمليات عسكرية عنيفة، شملت قصفًا مدفعيًا واقتحامات برية استهدفت كنابي معروفة.
ووفق إفادات سكان محليين، أكد شهود عيان أن القوات النظامية نفذت حملات دهم واسعة، تخللتها عمليات اعتقال عشوائي، وإحراق منازل بدعوى ملاحقة متعاونين مع الدعم السريع.
وأشار ناشطون إلى أن القصف لم يميز بين أهداف عسكرية ومدنية؛ ما أسفر عن سقوط ضحايا من النساء والأطفال، ونزوح مئات الأسر نحو مناطق أكثر أمانًا داخل الولاية أو خارجها.
ومع غياب الإحصاءات الرسمية، تبقى الأرقام الدقيقة للضحايا غير معلنة، لكن حجم الدمار المصور يعكس كارثة إنسانية متفاقمة.
البرهان تحت الضغط الداخلي والدولي
ووضعت أحداث الكنابي البرهان في موقف حرج، داخليًا وخارجيًا فعلى الصعيد الداخلي، تزايدت الانتقادات من قوى مدنية كانت تراهن على الجيش كقوة نظامية قادرة على حماية المدنيين، أما خارجيًا، فقد أعربت جهات دولية عن قلق بالغ إزاء التقارير الواردة من الجزيرة، مطالبة بإجراء تحقيقات مستقلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
وترى المصادر، أن استمرار استهداف الكنابي يضر بصورة الجيش السوداني، ويقوض محاولات البرهان تقديم نفسه كشريك موثوق في أي تسوية سياسية مستقبلية. كما يمنح خصومه، وعلى رأسهم الدعم السريع، مادة دعائية لتصوير الجيش كقوة قمعية لا تقل انتهاكًا عن غيرها.
البعد العرقي والاجتماعي للأزمة
ولا يمكن فصل ما جرى في الكنابي عن البعد العرقي والاجتماعي للصراع السوداني، فغالبية سكان هذه التجمعات ينحدرون من مناطق طالما عانت من التهميش، ما يجعلهم عرضة للاستهداف والوصم.
ويحذر خبراء من أن استهداف الكنابي قد يفاقم الانقسامات الاجتماعية، ويدفع فئات واسعة من المهمشين إلى فقدان الثقة في الدولة ومؤسساتها.
كما أن تدمير هذه التجمعات يهدد الموسم الزراعي في الجزيرة، ويزيد من تعقيد الأزمة الاقتصادية والغذائية في السودان، في وقت يعاني فيه ملايين المواطنين من انعدام الأمن الغذائي.
واختتمت المصادر، أن أحداث الكنابي في ولاية الجزيرة كشفت عن وجه آخر للحرب السودانية، حيث يدفع المدنيون ثمن صراع السلطة والسلاح، ومع وضع البرهان في قفص الاتهام سياسيًا، تتزايد المطالب بوقف استهداف التجمعات السكنية، وحماية الفئات المهمشة، والانخراط الجاد في مسار سياسي ينهي الحرب.

