مع اقتراب عام 2025 من نهايته، تبدو ليبيا عالقة بين محاولات خجولة لكسر الجمود السياسي وواقع معقد يعيد إنتاج الأزمات ذاتها، فرغم الحراك الدبلوماسي والاجتماعات المتكررة، لم ينجح المشهد السياسي الليبي في تحقيق اختراق حقيقي يضع البلاد على سكة الاستقرار الدائم أو يفتح الطريق أمام انتخابات طال انتظارها.
والعام حمل إشارات متباينة، إذ ظهرت خطوات محدودة أعادت الحديث عن التوافق، مقابل استمرار الانقسام المؤسسي وتضارب المصالح، ما جعل المسار الانتقالي أكثر هشاشة، والانتخابات أبعد من أي وقت مضى.
محاولات تشريعية لكسر الانسداد
شهدت الأشهر الأولى من العام تحركات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، في مسعى لإعادة تنشيط التنسيق بين المؤسستين التشريعيتين بعد سنوات من القطيعة السياسية.
هذه اللقاءات، التي عقدت خارج البلاد، عكست إدراكًا متزايدًا بخطورة استمرار الانقسام، لكنها بقيت في إطار التفاهمات العامة دون ترجمة عملية واضحة على الأرض.
رغم أن هذه الخطوات أعادت بعض الزخم للمسار المؤسسي، فإن غياب آليات تنفيذ ملزمة جعلها أقرب إلى رسائل سياسية منها إلى حلول فعلية للأزمة الدستورية والانتخابية.
الانتخابات البلدية كمساحة اختبار
في مقابل التعثر على المستوى الوطني، شكلت الانتخابات البلدية أحد أبرز ملامح الحراك السياسي خلال 2025، فقد نجحت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في استكمال عدة مراحل من هذا الاستحقاق المحلي، ما عزز دور المجالس البلدية ومنح الإدارة المحلية مساحة أوسع للحركة.
ورغم محدودية تأثير هذه الانتخابات على المشهد العام، فإنها عدت مؤشرًا على قدرة الليبيين على ممارسة حقهم الانتخابي حين تتوفر الظروف المناسبة، ورسالة ضمنية بأن المشكلة لا تكمن في الناخب بقدر ما ترتبط بالبيئة السياسية العليا.
الدور الدولي بين الدعم والعجز
استمر الحضور الدولي، ولا سيما عبر بعثة الأمم المتحدة، في محاولة دفع الأطراف الليبية نحو توافق يسمح بإجراء الانتخابات.
وطرحت مبادرات متعددة لتوحيد السلطة التنفيذية ومعالجة الخلافات القانونية، إلا أن هذه الجهود اصطدمت بجدار المصالح المتشابكة والانقسام الجغرافي والمؤسسي.
وبدا واضحًا أن الدعم الدولي، رغم استمراره، لم يعد كافيًا وحده لتغيير المعادلة، في ظل غياب إرادة سياسية داخلية حاسمة تقبل بتقديم تنازلات متبادلة.
هيئات جديدة وجدال قديم
وأثار الإعلان عن تشكيل جسم تنسيقي يضم رؤساء السلطات جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية، فبينما روج له كخطوة لتوحيد القرار السياسي، اعتبره آخرون محاولة لإعادة ترتيب المشهد دون معالجة جذور الأزمة، خصوصًا في ظل غياب قاعدة دستورية تحكم عمل هذه الأجسام الجديدة.
هذا الجدل عكس حالة فقدان الثقة المتراكمة، حيث بات أي تحرك سياسي يُقابل بالتشكيك قبل منحه فرصة حقيقية للنجاح.
الشارع الليبي يعود إلى الواجهة
وفي النصف الثاني من العام، عاد الشارع الليبي ليعبر عن غضبه من استمرار المراحل الانتقالية، خرجت مظاهرات متزامنة في مدن عدة، رافعة شعار إنهاء الانسداد السياسي وإجراء انتخابات شاملة تعيد الشرعية للمؤسسات.
هذا الحراك كشف عن فجوة متزايدة بين الطبقة السياسية والمجتمع، وأكد أن عامل الوقت بات ضاغطًا، وأن صبر الليبيين على الحلول المؤجلة بدأ ينفد.

