خلال الأعوام القليلة الماضية، تغيرت وجهة نظر العالم لجماعة الإخوان المسلمين، بعد كشف خططهم ومؤامراتهم السوداء ومساعيهم لتفتيت المنطقة والتلاعب بالأوضاع الدولية، لتوجه لهم عدة بلدان ضربات قاسمة بين الطرد والسجن والتصنيف الإرهابي، إلا دول معدودة من بينهم فرنسا.
ورغم انتشار الإخوان في فرنسا وتسببهم في عدة أزمات وعمليات إجرامية، إلا أنها لم تصنف الجماعة كمنظمة إرهابية حتى الآن، وإنما وضعتها في خانة التنظيمات التي ينبغي مكافحتها على الأراضي الفرنسية.
وسبق أن تحدث مانويل فالس، رئيس الوزراء الفرنسي السابق، أنه على بلاده أن تواجه خطاب التطرف، وخاصة خطاب الإخوان المسلمين على أرضها، وخطاب السلفيين في البلدان المجاورة وتساعد المسلمين العازفين عن خطاب الإخوان.
وجاء ذلك التصريح وقتها بسبب تنفيذ تنظيمات إرهابية عمليات أشد عنفا، مثل “الجماعة الإسلامية” قبل عقود و”القاعدة” و”داعش” حاليا، التي بنت عقيدتها على فكر التنظيم وعلى رأسها تكفير الآخر والإيمان باللجوء إلى العنف لتحقيق الأهداف، وكيف استغل التنظيم الأم هذه الجماعات لتحقيق مكاسبه.
وأباح مسبقا حسن البنا، في إحدى رسائله للجماعة، عمليات العنف لتنظيمه وإنه من حق الإخوان شن حرب لا هوادة فيها على كل زعيم أو رئيس لا يعمل على إقامة نظام سياسي يتوافق مع أيديولوجية التنظيم، التي يزعم أنها تحتكر قيم الإسلام، حيث يرى الإخوان أن العمل الدعوي يُعد الخطوة الأولى نحو الجهاد العسكري، وبالتالي يستخدم كوسيلة للتجنيد واستقطاب أفراد جدد ينضمون تحت لواء الجماعة، وعليه يكون الغاية هو العمل العسكري، وهذا يبرر عنف الجماعة الموجود على الساحة حاليا، كذلك تشويه الحقائق فتعطيه القدرة على قلب المفاهيم وطمسها، وتقديم أدلة وبراهين غير كافية أو مناقضة للواقع، واستعمال الكلمات بمعانٍ مبهمة غير محددة أو بمعانٍ متقلبة ومختلفة.
ومن أبرز جمعيات الإخوان فى فرنسا، اتحاد الجمعيات الإسلامية في فرنسا، المقرب من جماعة الإخوان المسلمين وينظم سنويا ملتقى مسلمي فرنسا، ويعد منصة سياسية لبعض الجماعات السياسية، بالأخص جماعة الإخوان المسلمين، ويضم أنصار راشد الغنوشي، مؤسس النهضة ومن جماعة الإخوان المسلمين، وهو يجمع أكثر من (250) منظمة فرنسية، في شبكة تغطي كل أوجه الحياة الاجتماعية وفقاً للرؤية العالمية للإسلام، كما تراه جماعة “الإخوان المسلمين”.
وتعتمد الجماعات الإرهابية في فرنسا بالتمويل على “Tracfin” وهي دائرة فرنسية ترصد التدفقات المالية لمكافحة الاحتيال وغسل الأموال وتمويل الإرهاب بالتحقيق في حسابات طارق رمضان ممثل الإخوان المسلمين في فرنسا.
وكشفت ”جوديث بيرجمان” المحللة السياسية بمعهد “جيتستون” الأميركي للدراسات، عن أن إحدى الدول العربية بالخليج نشطت في المشاركة بعمليات تمويل مساجد داخل فرنسا.
وفي 14 فبراير 2018، حددت السلطات الفرنسية أكثر من مئتي صيرفي خفي في تركيا الداعم الرئيسى لجماعة الإخوان المسلمين يتولون تمويل أنشطة تنظيم ”داعش”، وقال مدير جهاز مكافحة تمويل الإرهاب برونو دال “عملنا على تحديد ما بين 150 و200 من جامعي الأموال هؤلاء والموجودين أساسا في لبنان وتركيا”، مشيرا إلى “أن هؤلاء الصيرفيين المتخفين لداعش يتلقون أموالا موجهة بوضوح لتمكين التنظيم من الاستمرار”.
أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية وفقا لـ”فرانس24″ في 9 أبريل 2017 أن الإسلامي السويسري المثير للجدل هاني رمضان “المعروف لتبنيه في الماضي سلوكا وإدلائه بتصريحات تشكل تهديدا خطيرا للنظام العام على الأراضي الفرنسية” أبعد إلى سويسرا.
فيما أكد محمد لويزي، القيادي السابق في التنظيم في كتابه “لماذا غادرت الإخوان المسلمين، عودة مضيئة إلى إسلام لا سياسي”، ويقصد بالإخوان اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا حيث كان لويزي مناضلا بين صفوفه، قائلا: إن الاختلاف بين الإخوان والمتطرفين الآخرين هو اختلاف في درجة التطرف، وليس في طريقة التفكير، ويضيف “إن نظرنا إلى رسائل حسن البنا المتعلقة بالجهاد والتي تعدّ القاعدة الأساسية لتكوين الإخوان في فرنسا أو غيرها من الدول، لأدركنا حجم التطابق بين ما يُبشر به البنا، والمكون الأيديولوجي لدى داعش أو القاعدة، وهي نفس النصوص العنيفة ونفس المصطلحات الدموية ونفس القواعد العقائدية التي تنتهي باللجوء إلى العنف والإرهاب”.
المثير للجدل أنه رغم كل ذلك والعديد من التقارير التي وثقت إرهاب الجماعة، إلا أن سفير الاتحاد الأوروبي السابق لدى مصر “جيمس موران”، تحدث مسبقا أنه لا يوجد مبرر لإدراج جماعة الإخوان المسلمين على لائحة المنظمات الإرهابية في أوروبا وبأنه لا يوجد أيضا ما يبرر إغلاق مكاتبها في دول الاتحاد الأوروبي.
وقبل حوالي سنة رفض البيت الأبيض تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية في رده على العريضة التي طالبت إدارة “أوباما” بذلك، خوفا من إقدام الغرب على تصنيفهم كإرهابيين أو حظر أنشطتهم ومحاصرتهم قد يكون رد الفعل عليه هو انضمام مئات آلاف الشباب إلى منظمات إرهابية.
ووفقا لذلك، أكد تقرير للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات أن السلطات الفرنسية تعتقد أن أيديولوجية الإخوان الممثلة في اتحاد المنظمات الإسلامية حركة دينية تهتم فقط بتنظيم شؤون المسلمين والاهتمام بالجانب الروحي لهم، ولكن في الحقيقة أن تنظيم الإخوان بكل فروعه هي حركة سياسية شمولية ومصدر الإسلام السياسي الذي يفرّخ التطرف والإرهاب.
وتابع: إنه لم تستطع السلطات السياسية والإعلامية الفرنسية تحديد نوعية الخطاب الذى يتبناه الإخوان المسلمون، حيث يتسم الخطاب بالازدواجية، فهو مسالم من جهة خطاب مُسكّن موجّه للسلطات والرأي العام الفرنسي، ومن جهة أخرى متشدّد موجّه لأعضائه، خاصة أن الجماعة توظف الأعمال الاجتماعية والثقافية والتربوية والاقتصادية لخدمة الهدف السياسي، وهذا الأمر كان حاضرا بشدة في ضواحي فرنسا.
بالإضافة إلى تمويل الإخوان المسلمين أكثر من (250) جمعية في منطقة باريس وحدها، وتدريس العديد من المدارس الإسلامية الخاصة في فرنسا في مناهجها مادة الجهاد، وتفتح تلك الأطروحات الباب على مصراعيه لخلق مجتمع موازٍ للمجتمع الفرنسي، ومنح أحزاب اليمين المتطرف فى فرنسا الفرصة لتحقيق أهدافه ومكاسبه؛ ما يهدد المجتمع الفرنسي بالانقسام.
وأشار التقرير إلى أن خطورة التنظيم تكمن أيضا في خطابات الكراهية والعنف التي يبثها عبر منابر المساجد في فرنسا، والفتاوى والآراء الجدلية المتطرفة التي يدعو إليها شيوخهم، وبتلك الآراء والفتاوى المتشددة يتم تجنيد الشباب من رواد المساجد وإلحاقهم بمناطق الصراعات، لافتا إلى اعتماد الإخوان المسلمين في الضواحي المهمشة في فرنسا على مقاربات فكرية تثير الجدل أحيانا في المجتمع الفرنسي، من أجل إقناع أكبر عدد من الشباب بالانضمام إليهم.