تشهد الساحة السياسية في تونس حالة من الغليان غير المسبوق، إثر تواتر أنباء وتقارير تتحدث عن وجود اتفاقية أمنية سرية بين تونس والجزائر، تمنح الأخيرة حق التدخل لحماية نظام الرئيس قيس سعيد في حال تعرضه لتهديدات داخلية أو احتجاجات شعبية عارمة.
ما الذي يتداول في الغرف المظلمة؟
حيث بدأت خيوط القصة تتكشف مع تسريبات إعلامية وتقارير استخباراتية إقليمية، أشارت إلى أن التنسيق الأمني بين قرطاج وقصر المرادية قد تجاوز التعاون التقليدي في مكافحة الإرهاب، ليصل إلى “تحالف وجودي”.
وتزعم هذه التقارير أن هناك بنودًا غير معلنة تتيح للجانب الجزائري تقديم دعم لوجستي، وأمني، وربما “ميداني” مباشر، لضمان استقرار النظام التونسي الحالي تحت ذريعة منع “انهيار الدولة” والجوار.
كما أن لغز التوقيت يثير الريبة، إذ تأتي هذه التسريبات في وقت تعاني فيه تونس من أزمة اقتصادية خانقة واحتقان سياسي بين السلطة والمعارضة.
خرق الدستور أم ضرورة أمنية؟
وتعتبر جبهة الخلاص الوطني وقوى سياسية أخرى أن الاستقواء بالخارج هو دليل على فقدان النظام لشرعيته الداخلية، ويرى المعارضون أن تحويل تونس إلى “محمية أمنية” للجزائر هو ثمن باهظ يدفعه سعيد لضمان بقائه في السلطة.
كما تلتزم السلطات التونسية والجزائرية الصمت الرسمي الحذر، أو تكتفي بالإشارة إلى عمق العلاقات الأخوية والتنسيق المستمر، لكن هذا الصمت تراه مصادر وقودًا يزيد من اشتعال الشائعات والجدل في الشارع.
لماذا الجزائر؟
إن اتفاقية الدفاع عن النظام المزعومة، إن صحت، تمثل للجزائر استثمارًا في الأمن القومي الاستباقي، فالجزائر لا تريد تكرار سيناريو ليبيا على حدودها التونسية، وهي مستعدة لتقديم الدفع السياسي والأمني لمنع أي تغيير للنظام قد لا يتماشى مع أجندتها الإقليمية.
التداعيات على السيادة والشارع التونسي
إن دخول مثل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ سيؤدي إلى تداعيات خطيرة، منها ارتهان القرار الوطني وتعميق الانقسام الداخلي وعزلة تونس الدولية، فقد تثير هذه الاتفاقية قلق القوى الكبرى واشنطن والاتحاد الأوروبي، التي ترى في التمدد الأمني الجزائري في تونس تغييرًا في توازنات القوى في حوض المتوسط.
السيناريوهات القادمة
بين النفي الشعبي والغموض الرسمي، يتأرجح المشهد نحو سيناريوهين: السيناريو الأول أن تكون الاتفاقية مجرد “مذكرة تفاهم” فضفاضة يتم تضخيمها سياسيًا للضغط على النظام، أما السيناريو الثاني وهو وجود اتفاق حقيقي “تحت الطاولة” يتم تفعيله تدريجيًا عبر منح تسهيلات أمنية وتبادل معلوماتي استخباري عالي المستوى، يمهد لتدخل أوسع في الأزمات الكبرى.
إن الجدل حول “الاتفاقية المزعومة” يثبت أن تونس تمر بأخطر مراحلها السياسية منذ عام 2011، وسواء كانت الاتفاقية حقيقة موثقة أو “فزاعة” سياسية، فإن مجرد طرحها للنقاش يعكس حجم التآكل في الثقة بين السلطة والمواطن، وأن السيادة الوطنية لا تُحمى بالاتفاقيات الأمنية العابرة للحدود، بل باللحمة الوطنية والشرعية التي تنبع من صناديق الاقتراع والشفافية مع الشعب.

