في زمن تتسارع فيه الأزمات الاقتصادية وتتعاظم فيه الصراعات الدولية، يظهر تنظيم داعش الإرهابي مجددًا على الساحة بخطاب محدث يحاول من خلاله استثمار هذه الأوضاع المتدهورة، ليس فقط لبث دعايته المتطرفة، بل لإعادة تشكيل ساحة الصراع العقائدي بينه وبين العالم الخارجي.
داعش والأزمات.. خطاب يتجدد تحت غطاء الاقتصاد
لم يعد تنظيم داعش يتحدث عن المعركة مع “العدو” بلغة السلاح فقط، بل بات يوظف المتغيرات الاقتصادية كمدخل لإثارة الغضب والتحريض.
الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة، وما تبعها من توترات تجارية عالمية، أصبحت المادة الخام لخطب التنظيم، والذي يروج لفكرة أن هذه الانهيارات المتتالية ليست مجرد أزمات، بل جزء من مخطط أكبر لتقويض الإسلام والمسلمين.
من الاقتصاد إلى العقيدة.. توظيف الأزمات في معركة الوعي
المثير في الخطاب الجديد هو الانتقال من تحليل السياسة الاقتصادية إلى تحويلها لأداة دينية، السياسات الأمريكية، من فرض الرسوم الجمركية إلى قرارات تقشفية، تعرض في خطابات التنظيم باعتبارها أدوات للعدوان على الأمة الإسلامية.
هذا التحوير المقصود للأحداث يخدم سردية التنظيم الأساسية: أن الغرب لا يتوقف عن مهاجمة المسلمين، بكل السبل، حتى الاقتصادية منها.
الطاغوت الجديد.. الاقتصاد كسلاح أيديولوجي
في أحد مقالاته الأخيرة، وصف التنظيم الإدارة الأمريكية بـ”الطاغوت الاقتصادي”، واعتبر أن ما يحدث من انهيارات مالية هو نتيجة فساد حضاري يتطلب الجهاد في مواجهته.
لم يعد الخطاب يستند فقط إلى صور الاحتلال أو التدخل العسكري، بل بات يوظف لغة المال والسوق والتضخم والبطالة كأدوات تعبئة.
الشيطان في التفاصيل.. ترامب رمزًا للعدو الحضاري
يتخذ الخطاب من شخص الرئيس الأمريكي تجسيدًا للعدو، حيث يتم تقديمه كرمز للهيمنة الغربية، وسفينة تقود الاقتصاد العالمي نحو الفوضى.
ويُحمّل التنظيم الارهابي ترامب مسؤولية كل انهيار، ويصور قراراته كخطوات متعمدة لإضعاف المسلمين في كل مكان. هنا، تتماهى السياسة بالأسطورة، ويتحول الزعيم السياسي إلى شيطان أيديولوجي في سردية التطرف.
بين الانهيار والتحفّز.. كيف يُعيد التنظيم تشكيل معاركه؟
من خلال هذا الخطاب الجديد، يسعى داعش إلى إقناع أتباعه أن المعركة لم تتوقف، بل تغيرت ساحتها. فالصراع لم يعد فقط في ميادين القتال، بل في كل قرار اقتصادي، وكل أزمة مالية. هذه الرؤية تعمّق الإحساس بالتهديد الوجودي، وتحوّل أي خسارة اقتصادية إلى ذريعة للمزيد من التحريض والتجنيد.
من خلال ربط الأزمات الاقتصادية بالهوية الدينية، يسعى التنظيم إلى تعزيز قناعته لدى جمهوره بأن الغرب هو المسؤول المباشر عن كل ما يحدث في العالم الإسلامي، حتى لو كان انهيارًا في أسواق الأسهم أو ارتفاعًا في أسعار النفط، وبذلك، يُعاد تدوير الغضب الشعبي وتحويله إلى طاقة أيديولوجية.