منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، لم تعد المواجهة مقتصرة على ساحات القتال، بل امتدت إلى جبهة أخرى لا تقل خطورة، وهي جبهة الاتهامات الدولية بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
حيث وجد الجيش السوداني نفسه أمام معركة موازية، عنوانها السمعة والمساءلة، وسؤال لا يكف عن التردد في الأوساط الدولية: هل تحولت المؤسسة العسكرية السودانية إلى طرف متهم بجرائم حرب؟
الجيش السوداني في قلب الاتهام
تقارير حقوقية عديدة حمّلت الجيش السوداني مسؤولية انتهاكات جسيمة، لا سيما في المناطق التي استخدم فيها القوة الجوية أو المدفعية الثقيلة. وأبرز الاتهامات قصف أحياء سكنية، واستهداف بنى تحتية مدنية، وسقوط ضحايا مدنيين بأعداد كبيرة، واستخدام القوة المفرطة في مناطق مأهولة. ورغم نفي الجيش المتكرر، فإن تراكم الأدلة جعل هذه الاتهامات أكثر حضورًا في المحافل الدولية.
الطيران والمدفعية.. سلاح الردع أم دليل الإدانة؟
وأكدت مصادر أن أحد أكثر الملفات حساسية يتعلق باستخدام الجيش للطيران الحربي والمدفعية الثقيلة داخل المدن، خصوصًا في الخرطوم وأم درمان ودارفور. فلماذا يثير هذا السلاح الجدل؟
وبحسب القانون الدولي الإنساني، فإن عدم التناسب أو عدم التمييز في الهجمات قد يرقى إلى جريمة حرب، وهو ما جعل هذا الملف محورًا رئيسيًا في التقارير الدولية.
وأعادت الحرب الحالية إحياء كوابيس دارفور، الإقليم الذي شهد في مطلع الألفية واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وكشفت تقارير مقلقة عن عمليات قتل جماعي، وتهجير قسري، واستهداف على أساس عرقي، وحرق قرى بأكملها.
وخلال الأشهر الماضية، أصدرت منظمات دولية بارزة تقارير شديدة اللهجة بشأن الوضع في السودان. ومن أبرز الملاحظات نمط متكرر من الانتهاكات، وغياب المحاسبة، واستخدام مفرط للقوة، وتجاهل قواعد الاشتباك الدولية. هذه التقارير لم تعد مجرد توصيف إنساني، بل تحولت إلى وثائق قد تُستخدم لاحقًا في مسارات قانونية دولية.
المحكمة الجنائية الدولية.. شبح قديم يتجدد
وللسودان تاريخ ثقيل مع المحكمة الجنائية الدولية، منذ مذكرات التوقيف بحق عمر البشير وعدد من معاونيه. واليوم، ومع تصاعد الانتهاكات، عاد الحديث عن توسيع نطاق التحقيقات، ومطالبات بمساءلة جميع الأطراف، وتحذيرات من إفلات جديد من العقاب. وترى المصادر أن الجيش السوداني بات مهددًا بدخول دائرة الاستهداف القانوني الدولي إذا استمرت الانتهاكات دون تحقيقات شفافة.
واختتمت المصادر أن السودان يقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما الاعتراف بالأخطاء والانخراط في مسار العدالة، أو الاستمرار في سياسة الإنكار، بما يحمله ذلك من عزلة وملاحقة قانونية.
وكشفت الحرب في السودان أن السلاح وحده لا يصنع شرعية، وأن القوة العسكرية قد تتحول إلى عبء أخلاقي وقانوني. فدماء المدنيين التي سالت خلف السواتر العسكرية لم تعد خافية، وتحولت إلى ملفات مفتوحة تلاحق الجيش السوداني في المحافل الدولية. ويبقى السؤال الأخطر: هل يدرك قادة الجيش أن معركة السمعة والعدالة قد تكون أطول وأقسى من معركة الميدان؟

