لا شك أنه بدا واضحًا حجم العداوة التي يحملها الجانب التركي تحت مظلة محركه أردوغان للمنطقة العربية وعلى رأسها الرباعي العربي مصر والإمارات والبحرين والسعودية، فلا تيأس محاولاته من زعزعة الاستقرار داخلها، وإغراق الميليشيات الإخوانية بالأموال لاستكمال سيناريو تخريب المنطقة العربية.
وكان ما يسمى بالربيع العربي أحد العوامل الرئيسيّة المشجعة لأردوغان على التفكير بأسلوب جديد في التعامل مع الدول العربية على أساس عقائدي، وهو ما دفعه إلى دعم هذا الربيع عَبْر زياراته المتتالية لمصر وتونس وليبيا للفترة الممتدة بين 13 و16 سبتمبر 2011، في رسالة واضحة منه لإسلاميي هذه الدول، وقال لهم: “إن تركيا معكم”.
وكان ذلك في إطار أجندته التي تهدف لتطبيق ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير وكان “أردوغان” أحد الأعمدة الرئيسية لهذا المشروع، مع حديث الغرب عن تسويق النموذج التركي العلماني الإسلامي إلى دول المنطقة وأحزابها وقواها الإسلامية، فسقطت أنظمة تونس ومصر وليبيا واليمن، بدعم من الغرب وأنظمة الخليج التي تصدت لثورة الشعب البحريني، ولكنها تعاونت مع تركيا “لإسقاط النظام في سوريا”، فتصدّت لها إيران، وأفشلت مخطّطاتها، بدعم من حزب الله، ولاحقاً روسيا.
وساعد الربيع العربي الرئيس أردوغان على تطبيق العديد من مشاريعه ومخططاته الخاصة في المنطقة، التي أراد لها أن تعود إلى الأجندة العثمانية التركية تحت راية الخلافة والسلطنة التي تشجع لها إسلاميو المنطقة، بل والإسلاميون من جميع أنحاء العالم، ما دام أردوغان كان، وما زال، يتحدث عن العقيدة الإخوانية التي تجمعهم جميعًا سياسيًا وجهاديًا وسلاحًا، وهي العناصر الثلاثة التي اعتمد عليها في مجمل سياساته الإقليمية، المطعمة تارة بالمذهبية، وأخرى بالقومية التركية، فقد تحدث أردوغان عن تركمان العراق وسوريا ولبنان وأحفاد العثمانيين في ليبيا، بل وحتى في الصومال، معتبرًا ذلك سببًا مهمًا في اهتماماته، إن لم نقل تدخلاته في الدول المذكورة.
وأصبح أردوغان من خلال هذه العناصر الثلاثة طرفًا رئيسيًا في مجمل تطورات العراق وسوريا وليبيا والصومال (والسودان قبل سقوط البشير).
وهو الحال بالنسبة إلى أردوغان في العراق، حيث الأقلية التركمانية وعدد من العشائر والقوى والفصائل السنية التي أقامت أنقرة علاقات واسعة معها، ليساعدها ذلك على دعم التواجد العسكري التركي في العديد من مناطق الشمال العراقي، والجيش التركي موجود هناك منذ بداية التسعينيات، بحجة ملاحقة مسلّحي حزب العمال الكردستاني. .
وبات واضحًا أن الرئيس أردوغان لا يتخلى عن هذه الحسابات ما دام يعتقد أنه الأولى بتقرير مصير الدول سوريا والعراق وليبيا وقطر والصومال، ومن خلالها دول أخرى، كمصر والسودان وتونس والجزائر والمغرب ولبنان وموريتانيا واليمن، حيث التحركات التركية في تلك الدول التي تتواجد فيها قوى إسلامية تتضامن مع أردوغان.
يبقى الرهان الأكبر، وربما الأخير، على التحدي التاريخي والعقائدي بين الرئيس التركي أردوغان الذي يساوم بورقة الإخوان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي يحبط مخططاتهم بمنطقة الشرق الأوسط بمعاونة دول الرباعي العربي، إلى جانب الضربة التي وجَّهها النظام المصري بنجاح إلى أردوغان عقب إعلان توقيع اتفاقية ترسيم المياه الإقليمية بين مصر وأثينا، الأمر الذي أثار غضب تركيا خاصة أن الاتفاقية تعني أن مصر مشاركة في عمليات التنقيب مع اليونان إلى جانب دخول مصر في معادلة الحفاظ على الأمن القومي اليوناني بمنطقة شرق المتوسط.