تستمر العاصمة عدن في مواجهة واحدة من أصعب أزماتها الخدمية مع دخول انقطاع الغاز المنزلي أسبوعه الثالث، وهي الأزمة التي لم تعد مجرد خلل في الإمدادات، بل تحولت إلى ما يشبه “جرائم الحرب الصامتة” التي تشنها مليشيا الحوثي الإرهابية ضد سكان الجنوب.
ومن خلال استراتيجية خبيثة تعتمد على زرع “الألغام الاقتصادية”، تسعى المليشيا المدعومة من إيران إلى خنق عدن وتجويع سكانها عبر تدمير سلاسل الإمداد واستهداف مقدرات الدولة الحيوية.
إرهاب المسيرات
ولا يمكن فهم أزمة الغاز الحالية بمعزل عن السلوك الإرهابي للمليشيا الحوثية التي استهدفت -في وقت سابق- موانئ تصدير النفط والغاز في محافظتي حضرموت وشبوة.
إن قصف ميناءي الضبة والنشيمة بالطائرات المسيرة لم يكن مجرد استهداف عسكري، بل كان عملية “اغتيال اقتصادي” تهدف إلى تجفيف منابع السيولة وشل القدرة الشرائية والتسبب في تدهور العملة المحلية، مما رفع تكلفة استيراد الغاز المنزلي وجعله عبئاً ثقيلاً على كاهل السلطات المحلية في عدن.
كيف يعطل الحوثي وصول الغاز؟
وقالت مصادر: إن مليشيا الحوثي تستخدم أدوات “ناعمة” وأخرى خشنة لضمان استمرار أزمة الغاز في عدن، وذلك عبر عدة محاور تخريبية منها التلاعب بالحصص والتهريب المنظم و التقطعات وحرب الطرق وتستغل المليشيا وعناصرها التخريبية بعض الطرق البرية الرابطة بين منابع إنتاج الغاز (مأرب) وبين العاصمة عدن، لفرض إتاوات غير قانونية أو احتجاز المقطورات، مما يؤدي إلى تأخر وصول الإمدادات لأسابيع وتفاقم معاناة المواطنين.
عدن تحت الحصار
ومع غياب الغاز المنزلي، تحولت أحياء عدن إلى ساحات للصراع اليومي من أجل البقاء، فالمواطن الذي يواجه بالفعل أزمات الكهرباء والمياه، وجد نفسه اليوم أمام خيارين أحلاهما مر إما السوق السوداء الحوثية و الاضطرار لشراء الغاز بأسعار خيالية قد تصل إلى 20 ألف ريال للأسطوانة الواحدة، وهو مبلغ يفوق راتب الموظف البسيط أو العودة للعصور البدائية وانتشار ظاهرة الطهي على الحطب والفحم في أزقة عدن، مما تسبب في مشكلات تنفسية وبيئية، وأعاد المدينة عقوداً إلى الوراء.
تسييس لقمة العيش
وتدرك مليشيا الحوثي أن الضغط على الخدمات في عدن هو أقصر طريق لمحاولة زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، إنها “حرب بالإنابة” تستهدف إفشال جهود المجلس الانتقالي الجنوبي والسلطة المحلية في تأمين حياة الناس.
مواجهة الإرهاب الاقتصادي
وقالت مصادر: إن مواجهة “الألغام الاقتصادية” الحوثية تتطلب تحركًا يتجاوز مجرد توفير شحنات إسعافية، والحل يكمن في ضرورة تفعيل منظومات دفاع جوي لحماية المنشآت النفطية من المسيرات الحوثية لإعادة عجلة الإنتاج و تأمين الطرق البرية من مأرب إلى عدن بقوات جنوبية ضاربة تمنع التقطعات والتهريب وفضح جرائم الحوثي أمام المنظمات الإنسانية باعتبار قطع الغاز “عقاباً جماعياً” وجريمة ضد الإنسانية.
صمود عدن في وجه الحرب الصامتة
وستظل عدن، برغم كل الأوجاع، عصية على الانكسار أمام مشاريع الموت الحوثية. إن أزمة الغاز في أسبوعها الثالث هي مجرد فصل من فصول الحرب الشاملة التي تشنها المليشيا، ولكن وعي الشعب الجنوبي بحقيقة المخطط الحوثي هو السد المنيع الذي سيحطم هذه الألغام الاقتصادية.
إن معركة استعادة الغاز المنزلي إلى مطابخ المواطنين في عدن هي جزء أصيل من معركة الكرامة الوطنية، ولا بديل فيها عن الانتصار لسيادة الأرض ولقمة عيش الإنسان.

