ذات صلة

جمع

صرخة من نيويورك.. ماذا وراء استهداف الحوثيين لموظفي الأمم المتحدة؟

في تصعيد خطير ومفاجئ، هزّت أروقة الأمم المتحدة في...

خلف الأبواب المغلقة.. كيف أعادت الصدمات رسم الشخصية اللبنانية؟

بين انفجار مرفأ بيروت الذي صُنف كواحد من أكبر...

شرعنة المليشيات: دلالات تعيين مناوي نائباً للبرهان ومخاطر “خصخصة” الجيش

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية السودانية...

خلف الأبواب المغلقة.. كيف أعادت الصدمات رسم الشخصية اللبنانية؟

بين انفجار مرفأ بيروت الذي صُنف كواحد من أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، وانهيار اقتصادي صنفّه البنك الدولي ضمن الأشد عالميًا منذ القرن التاسع عشر، وصولاً إلى طبول الحرب التي لا تتوقف عن القرع، يجد الإنسان اللبناني نفسه اليوم أمام تساؤل وجودي: من أصبحنا بعد كل هذا؟

زلزال “بيروتشيما” والشرخ النفسي العميق

وقالت مصادر: إنه لا يمكن الحديث عن الشخصية اللبنانية المعاصرة دون العودة إلى تاريخ 4 آب 2020، ذلك اليوم لم يدمر الحجر فقط، بل أحدث شرخًا عموديًا في الوعي الجمعي.

حيث يطلق علماء النفس في لبنان مصطلح “التروما الجماعية” لوصف حالة الذهول التي ما زالت تسكن العيون، خلف الأبواب المغلقة، يعاني الآلاف من “اضطراب ما بعد الصدمة”، حيث تحول صوت الرعد أو إغلاق الباب بقوة إلى محفز لنوبات هلع تعيد شريط الانفجار إلى الأذهان، هذه الصدمة نزعت عن اللبناني شعوره بالأمان داخل منزله، وهو أقدس أنواع الأمان.

الاقتصاد والقلق المعيشي

وأكدت المصادر، أنه إذا كان الانفجار صدمة لحظية، فإن الانهيار الاقتصادي هو “صدمة مستمرة” تستنزف الروح يوميًا، وإن فقدان الليرة اللبنانية لأكثر من 98% من قيمتها لم يكن مجرد أرقام في النشرات الإخبارية، بل كان عملية “إذلال ممنهج” للشخصية اللبنانية.

وأوضحت، أن الشخصية اللبنانية التي كانت تفاخر بتعليمها وأناقتها وجدت نفسها فجأة عاجزة عن تأمين ثمن علبة دواء أو قسط مدرسي. هذا العجز ولّد نوعًا من “العار الاجتماعي” دفع الكثيرين للانعزال والاكتئاب الحاد، وأعاد الفقر رسم سلوك اللبناني ليكون دائم التحفز، يبحث عن البدائل، ويخزن السلع، ويعيش في حالة طوارئ ذهنية لا تتوقف؛ مما أدى إلى انتشار أمراض الضغط والسكري الناتجة عن التوتر المزمن.

تبخر “أسطورة الفينيق”

ولطالما تغنى اللبنانيون بـ “طائر الفينيق” الذي ينفض الرماد ويقوم من جدي، ولكن خلف الأبواب المغلقة اليوم، يبدو أن هذا الطائر قد أصيب بـ “الاحتراق النفسي”، ولقد استنزفت الأزمات قدرة الفرد على التكيف.

لم يعد الصمود خيارًا بطوليًا، بل بات عبئًا ثقيلاً، هذا التحول أفرز شخصية تميل إلى العدوانية أحيانًا نراها في حوادث السير أو الطوابير أو اللامبالاة التامة التبلد الشعوري كآلية دفاعية لحماية ما تبقى من توازن نفسي.

غياب الدولة

وأشارت المصادر، أنه في ظل انهيار القطاع الصحي وارتفاع تكلفة الجلسات النفسية وأدوية الأعصاب، لجأ الكثيرون إلى حلول يائسة وانتشرت ظاهرة التداوي الذاتي بالأعشاب أو اللجوء إلى المهددات دون وصفات طبية، وفي حالات أخرى، زادت معدلات الإدمان كوسيلة للهروب من الواقع المرير.

الدولة الغائبة سياسيًا، غائبة تمامًا عن دعم الصحة النفسية؛ مما جعل اللبناني يواجه “شياطينه” وحيدًا.

واختتمت المصادر، إن ما يحدث خلف الأبواب المغلقة في لبنان هو إعادة هيكلة قسرية للروح البشرية، فالشخصية اللبنانية اليوم هي مزيج معقد من الحزن الدفين، القلق الوجودي، والقدرة المذهلة على الاستمرار رغم الحطام.

إن الصدمات لم ترسم ملامح جديدة للبنانيين فحسب، بل وضعتهم أمام مرآة الحقيقة: لا يمكن للروح أن تزهر في بيئة يقتلها الخوف والفقر كل يوم.