دخلت الساحة السورية مرحلة جديدة من التحركات العسكرية بعد تنفيذ القيادة المركزية الأمريكية عملية جوية وبرية واسعة النطاق استهدفت عشرات المواقع في وسط البلاد، العملية التي حملت طابعًا مركبًا من حيث الوسائط المستخدمة وحجم النيران، عكست انتقالًا أمريكيًا نحو نمط أكثر كثافة في التعامل مع التهديدات العابرة للمناطق، وبالأخص تلك المرتبطة بتنظيم داعش.
كثافة نيرانية ورسائل محسوبة
العملية العسكرية تميزت باستخدام متزامن للطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية والمدفعية، في مؤشر على اعتماد أسلوب الضرب المتعدد الطبقات، هذا النمط يعكس سعيًا لضمان تدمير شامل للبنية التحتية المستهدفة، وتقليص قدرة التنظيم على إعادة التموضع أو استخدام شبكات لوجستية بديلة في مناطق مفتوحة جغرافيًا ومعقدة أمنيًا.
واستهداف أكثر من سبعين موقعًا في عملية واحدة يشير إلى أن الضربات لم تكن ردًا تكتيكيًا محدودًا، بل جزءًا من مقاربة أوسع لإعادة تشكيل المشهد الميداني في وسط سوريا، التركيز على مخازن السلاح ونقاط الإمداد ومراكز التشغيل يعكس محاولة لتجفيف منابع القدرة العملياتية للتنظيم، وليس الاكتفاء بإضعافه مؤقتًا.
توقيت دقيق وسياق متشابك
جاءت العملية بعد أيام من هجوم استهدف قوات أمريكية في محيط تدمر، ما يمنح التحرك بعدًا ردعيًا مباشرًا، إلا أن التوقيت يتجاوز منطق الرد، إذ يتقاطع مع مخاوف متزايدة من عودة نشاط خلايا التنظيم في الفراغات الأمنية، خاصة في المناطق الصحراوية التي لطالما شكلت بيئة مناسبة لإعادة الانتشار والتخفي.
تحمل الضربات رسالة واضحة مفادها أن أي استهداف مباشر للقوات الأمريكية سيقابل بعمليات واسعة تتجاوز موقع الهجوم ذاته، هذا التحول يعكس إعادة ضبط لقواعد الاشتباك، تقوم على توسيع نطاق الرد ليشمل البنية الكاملة للتهديد، وليس فقط منفذيه المباشرين، في محاولة لرفع كلفة الهجمات المستقبلية.
دمشق بين الترحيب والتحفظ
التحركات الأمريكية وضعت الحكومة السورية أمام معادلة معقدة، تجمع بين تقاطع المصالح في محاربة تنظيم داعش، وحساسية العمل العسكري الأجنبي على الأراضي السورية، هذا التداخل يعكس واقعًا ميدانيًا فرضته سنوات الصراع، حيث باتت مكافحة التنظيمات المتطرفة مساحة تقاطع نادرة بين أطراف متباعدة سياسيًا.
وتؤكد العملية أن ملف تنظيم داعش ما يزال يحتل موقعًا متقدمًا في أولويات الأمن الإقليمي والدولي، رغم انشغال القوى الكبرى بأزمات أخرى.
فعودة التنظيم إلى تنفيذ هجمات نوعية تعيد طرح السؤال حول هشاشة الاستقرار في بعض المناطق، ومدى قدرة القوى المحلية على ضبطها دون دعم خارجي.
رغم حجم العملية، تبقى نتائجها مرهونة بقدرتها على منع التنظيم من إعادة التشكل، وهي معركة لا تحسم بالضربات الجوية وحدها، فالمشهد السوري، بتعقيداته السياسية والأمنية، يجعل من كل تحرك عسكري جزءًا من معادلة أوسع.

