أعادت قمة الدوحة الخاصة بقطاع غزة فتح ملف الترتيبات الأمنية لما بعد الحرب، لكن من دون أن تحسم شكل هذا المستقبل أو ملامحه النهائية. الاجتماع، الذي ضم طيفًا واسعًا من الدول، عكس حالة من القلق الدولي أكثر مما قدم حلولًا جاهزة، إذ بدا واضحًا أن فكرة إنشاء قوة دولية ما تزال محاطة بتناقضات سياسية وأمنية يصعب تجاوزها سريعًا.
الحديث عن “الاستقرار” طرح كمفهوم عام، دون تحديد ما إذا كان المقصود احتواء الفوضى مؤقتًا أم إدارة مرحلة انتقالية طويلة الأمد.
استبعاد إسرائيل ومعضلة القابلية للتنفيذ
وأحد أبرز ملامح القمة تمثّل في غياب إسرائيل عن طاولة النقاش، وهو غياب يطرح تساؤلات جوهرية حول واقعية أي ترتيبات أمنية في قطاع ما تزال تل أبيب اللاعب العسكري الأكثر تأثيرًا فيه.
الاستبعاد، رغم كونه محاولة لتخفيف التوتر داخل القاعة، إلا أنه كشف عن فجوة بين التخطيط النظري وإمكانية التطبيق الميداني، خاصة في ظل استمرار السيطرة العسكرية الإسرائيلية على مفاصل حيوية في غزة.
قوة بلا تعريف واضح
الفكرة المطروحة لقوة دولية اصطدمت منذ اللحظة الأولى بسؤال “ما هي هذه القوة؟”، هل هي قوة فصل؟ أم بعثة حفظ سلام؟ أم كيان أمني انتقالي؟ غياب الإجابة الواضحة جعل النقاش يدور في دائرة عامة، وفتح الباب أمام تفسيرات متباينة بين الدول المشاركة، هذا الغموض انعكس على استعداد بعض الأطراف للمشاركة، إذ فضلت دول عديدة أدوارًا ثانوية بعيدة عن الاحتكاك المباشر.
هواجس الاشتباك والوقوع في المستنقع
المخاوف الأمنية كانت حاضرة بقوة في كواليس القمة، خصوصًا ما يتعلق بإمكانية الاحتكاك مع فصائل مسلحة داخل غزة أو التورط في صدامات غير محسوبة، هذه الهواجس أعادت إلى الأذهان تجارب دولية سابقة تحولت فيها قوات “الاستقرار” إلى أطراف في الصراع بدلًا من أن تكون جزءًا من الحل، لذلك، بدت مسألة قواعد الاشتباك واحدة من أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا.
وفي ظل الضبابية السياسية والأمنية، برز توجه داخل القمة نحو البحث عن صيغ أقل مخاطرة، مثل التركيز على التدريب أو الدعم اللوجستي بدل نشر قوات على الأرض.
التوجه يعكس رغبة دولية في عدم تحمل كلفة سياسية أو عسكرية مرتفعة، ويؤشر إلى أن الإجماع الدولي، إن وجد، فهو هش وقابل للتآكل مع أول اختبار ميداني.
سؤال الشرعية ومستقبل الحكم
إلى جانب التحديات الأمنية، تبرز معضلة الشرعية كعامل حاسم في نجاح أو فشل أي قوة محتملة، فغياب تصور واضح لمن سيتولى إدارة غزة سياسيًا يضع القوة الدولية، إن شكلت، أمام فراغ معقد، إدارة الأمن دون أفق سياسي متكامل قد تحول هذه القوة إلى أداة تجميد للأزمة بدل حلها.
وتكشف قمة الدوحة، أن المجتمع الدولي ما يزال يتعامل مع غزة بمنطق إدارة الأزمة لا معالجتها، فالقوة الدولية، بصيغتها المطروحة، تبدو أقرب إلى حل إسعافي، يهدف إلى منع الانفجار الشامل، دون الاقتراب من جذور الصراع.

