ذات صلة

جمع

الشعب متعطش للتغيير.. هل بقي عذر لتأجيل الانتخابات الليبية؟

تعيش ليبيا في حلقة مفرغة من الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية، تتجدد مع كل تأجيل جديد للاستحقاق الانتخابي الذي يُنظر إليه بوصفه المخرج الوحيد من حالة الانقسام المزمن.

ورغم تعاقب الحكومات وتعدد المبادرات الأممية، ما زال الليبيون ينتظرون لحظة الذهاب إلى صناديق الاقتراع لاختيار سلطة شرعية موحدة تنهي الانقسام وتعيد بناء الدولة. ومع تزايد الغضب الشعبي، وتصاعد الدعوات الداخلية والخارجية لإجراء الانتخابات، يبرز سؤال جوهري: هل بقي عذر حقيقي لتأجيل الانتخابات الليبية، أم أن التأجيل أصبح أداة لإطالة عمر الأزمة؟

كيف وصلت ليبيا إلى هذا المأزق؟

وقالت مصادر إنه منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، دخلت ليبيا مرحلة انتقالية وُصفت بالمؤقتة، لكنها تحولت إلى حالة دائمة. وشهدت البلاد انتخابات تشريعية في 2012، ثم انتخابات مجلس النواب في 2014، أعقبها انقسام حاد في مؤسسات الدولة بين الشرق والغرب.

وتوالت بعد ذلك المبادرات السياسية، بدءًا من اتفاق الصخيرات عام 2015، مرورًا بتشكيل حكومات توافقية، وانتهاءً بخارطة الطريق التي أقرّها ملتقى الحوار السياسي الليبي برعاية الأمم المتحدة عام 2020، والتي نصت بوضوح على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر 2021. لكن ذلك الموعد تحول إلى محطة جديدة للتأجيل، ما عمّق الإحباط الشعبي وفتح الباب أمام التشكيك في جدية الطبقة السياسية.

الفرصة الضائعة

وأوضحت المصادر أنه شكّل موعد 24 ديسمبر 2021 ذروة الآمال الليبية، حيث استعدت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وفُتح باب الترشح، وسُجل ملايين الناخبين. غير أن الخلافات القانونية والسياسية أطاحت بالموعد قبل أيام فقط من إجرائه.

أسباب الإخفاق

وأكدت المصادر أن أحد أسباب الإخفاق غياب قاعدة دستورية توافقية تنظم الانتخابات، والخلاف حول شروط الترشح للرئاسة، خصوصًا ما يتعلق بازدواج الجنسية والوضع العسكري.

وضمن أسباب الإخفاق جاءت الطعون المتبادلة بين المرشحين وغياب توافق سياسي حقيقي بين القوى الفاعلة. ومنذ ذلك الحين، لم يُحدَّد موعد جديد واضح وملزم، ما جعل الانتخابات رهينة الصراعات.

الانقسام السياسي

وقالت المصادر إنه لا يمكن فصل تأجيل الانتخابات عن مصالح الطبقة السياسية الحالية، التي وجدت في استمرار المرحلة الانتقالية ضمانًا لبقائها في السلطة. حكومتان وبرلمانان ومشهد معقد، من بينها حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، وحكومة مكلّفة من مجلس النواب في الشرق، ومجلس رئاسي بصلاحيات محدودة، ومجلسا نواب ودولة عاجزان عن التوافق. هذا التشظي خلق واقعًا سياسيًا يسمح بتبادل الاتهامات، لكنه يمنع أي طرف من حسم ملف الانتخابات بشكل نهائي.

صبر ينفد وغضب يتراكم

وأشارت المصادر إلى أنه في مقابل هذا الجمود السياسي، تتدهور الأوضاع المعيشية للمواطن الليبي، رغم ثروات البلاد النفطية. ويرى كثير من الليبيين أن الانتخابات ليست ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية لإعادة بناء الدولة وإنهاء الفوضى.

شماعة التأجيل الدائمة

وأصبحت القاعدة الدستورية العذر الأكثر استخدامًا لتبرير التأجيل. فبينما يتفق الجميع نظريًا على ضرورة وجود إطار دستوري، تختلف الأطراف حول تفاصيله. وترى المصادر أن هذه الخلافات قابلة للحل، لكن غياب الإرادة السياسية يحول دون ذلك.

هل بقي عذر فعلي للتأجيل؟

وقالت المصادر إنه عند تفكيك المبررات المطروحة، يتضح أن الجاهزية الفنية متوفرة، والوضع الأمني قابل للإدارة، والدعم الدولي موجود، والإرادة الشعبية واضحة، وما ينقص فعليًا هو قرار سياسي شجاع يضع مصلحة ليبيا فوق الحسابات الضيقة.

سيناريوهات المرحلة المقبلة

وكشفت المصادر أن السيناريو الأول يتمثل في انتخابات قريبة، وهو ما يتطلب توافقًا سريعًا على قاعدة دستورية، وضغطًا دوليًا حقيقيًا، وتنازلات متبادلة.

أما السيناريو الثاني، فهو استمرار التأجيل، ويعني تفاقم الغضب الشعبي، واحتمال انفجار اجتماعي، وتعميق الانقسام، أو فرض مسار بديل عبر تدخل دولي أكثر حزمًا يعيد تشكيل المشهد السياسي.

خاتمة

واختتمت المصادر أنه في ظل انسداد الأفق السياسي، يبدو أن الشعب الليبي لم يعد مستعدًا لقبول مزيد من التأجيل، فالتغيير الذي يتعطش له الليبيون لن يأتي إلا عبر انتخابات حرة ونزيهة تفرز سلطة شرعية واحدة.