ذات صلة

جمع

بين الدبلوماسية والميدان.. هل تندلع شرارة «حرب الاستنزاف الكبرى» في لبنان؟

يقف لبنان على خط تماس دقيق بين الدبلوماسية المتحركة في الكواليس، والتصعيد العسكري المتدرج على الحدود الجنوبية؛ مشهد معقّد تتداخل فيه الرسائل النارية، والتحركات السياسية، والوساطات الدولية، في وقت يبدو فيه أن قواعد الاشتباك التقليدية لم تعد ثابتة كما كانت.

ساحة اختبار مفتوحة

وقالت مصادر إنه لم يعد الجنوب اللبناني مجرد خط تماس عابر، بل تحوّل إلى ساحة اختبار يومي لميزان الردع بين «حزب الله» وإسرائيل. فمنذ اندلاع الحرب في غزة، شهدت الحدود تصعيدًا تدريجيًا تجاوز، في بعض مراحله، الاشتباكات الرمزية إلى ضربات نوعية.

وكشفت المصادر عن ملامح التصعيد، من استهداف مواقع عسكرية ونقاط مراقبة، واستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة، وقصف متبادل طال قرى حدودية، وسقوط ضحايا مدنيين وعسكريين. هذا التصعيد المتدرج يوحي بأن الطرفين يختبران سقف التحمّل دون كسره، لكن التاريخ يؤكد أن حسابات الميدان قد تنفلت في أي لحظة.

من الاشتباك المحدود إلى الاستنزاف

كما يعرّف خبراء «حرب الاستنزاف» بأنها صراع طويل الأمد، منخفض الكثافة نسبيًا، لكنه مُرهق عسكريًا واقتصاديًا ونفسيًا. وفي الحالة اللبنانية، تبدو المؤشرات الأولية مقلقة.

حسابات «حزب الله»

وأشارت المصادر إلى أن «حزب الله» يجد نفسه أمام معادلة شديدة الحساسية. فمن جهة، لا يستطيع تجاهل ما يجري في غزة دون رد، حفاظًا على صورته ودوره الإقليمي. ومن جهة أخرى، يدرك أن حربًا شاملة ستجر لبنان إلى كارثة جديدة، مؤكدة أن اعتبارات الحزب تشمل الحفاظ على قواعد الاشتباك، وتوجيه رسائل ردع دون توسيع المعركة، وتجنب استهداف العمق اللبناني، ومراعاة الوضع الاقتصادي المنهار. لذلك، يعتمد الحزب على تكتيك «التصعيد المضبوط»، وهو تكتيك محفوف بالمخاطر.

هاجس التوسع

وقالت المصادر إنه بالنسبة لإسرائيل، يشكّل الشمال جبهة مقلقة لا تقل خطورة عن غزة، فوجود آلاف الصواريخ الدقيقة على الحدود يفرض حالة استنفار دائمة.

وضمن أهداف إسرائيل إبعاد التهديد عن المستوطنات الشمالية، واستعادة الردع، ومنع فتح جبهة واسعة متزامنة مع غزة، والضغط السياسي على لبنان. لكن إسرائيل أيضًا تدرك أن أي حرب شاملة مع لبنان ستكون مكلفة وغير مضمونة النتائج.

دولة غائبة وصوت خافت

وفي خضم هذا التصعيد، يبدو الموقف الرسمي اللبناني ضعيفًا ومجزأً. فالدولة تعاني فراغًا رئاسيًا، وأزمة اقتصادية خانقة، وانقسامًا سياسيًا حادًا. وتتمثل تحديات الدولة اللبنانية في غياب قرار سيادي موحد، وضعف الإمكانيات العسكرية، وتراجع الثقة الدولية، والعجز عن ضبط الحدود. هذا الواقع يجعل لبنان ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات، دون قدرة حقيقية على التحكم بالمسار.

وفي موازاة التصعيد الميداني، تنشط الدبلوماسية الدولية، خاصة الأميركية والفرنسية، في محاولة لمنع الانفجار. ومن أدوات الضغط رسائل تحذير للطرفين، ووساطات غير معلنة، وربط الملف اللبناني بالوضع في غزة، والتلويح بعقوبات أو دعم مشروط. لكن فعالية هذه الجهود تبقى رهينة تطورات الميدان، التي قد تسبق أي اتفاق.

وأكدت المصادر أنه لسنوات، حافظ الطرفان على قواعد اشتباك غير مكتوبة، لكن التصعيد الأخير يوحي بأن هذه القواعد باتت أكثر مرونة، وربما أكثر هشاشة.

السيناريوهات المحتملة

وقالت المصادر إن السيناريو الأول المحتمل هو احتواء التصعيد عبر نجاح الوساطات الدولية وتثبيت قواعد اشتباك جديدة وتهدئة متزامنة مع غزة. أما السيناريو الثاني، فهو حرب استنزاف طويلة، وتعني استمرار الضربات المحدودة وإنهاكًا متبادلًا وخسائر متراكمة للبنان. في حين يبقى السيناريو الثالث، وهو حرب شاملة، الأسوأ، بما يحمله من دمار واسع وتدخل إقليمي وإعادة رسم للمشهد الأمني.

من يدفع ثمن الاستنزاف؟

وقالت المصادر إنه في كل السيناريوهات، يبدو لبنان الخاسر الأكبر. فبينما يمتلك اللاعبون الإقليميون أوراق قوة، يبقى المواطن اللبناني الحلقة الأضعف. وترى أن نافذة الفرص لم تُغلق بعد، لكن هامش المناورة يضيق مع كل ضربة جديدة؛ فالدبلوماسية تحتاج إلى وقت، بينما الميدان يتحرك بسرعة.

يُذكر أن لبنان يقف اليوم على مفترق طرق خطير، بين منطق الدبلوماسية الهشة ومنطق الميدان المتفلت. فحرب الاستنزاف قد لا تُعلن رسميًا، لكنها قد تفرض نفسها كأمر واقع، مستنزفة ما تبقى من بلد أنهكته الأزمات.