ذات صلة

جمع

تصنيف الإرهاب في الميزان.. ما هو مستقبل العلاقات العراقية–اللبنانية؟

تعيش العلاقات العراقية–اللبنانية مرحلة حساسة من تاريخها السياسي، بعد...

البندقية نحو صنعاء.. هل انتهى زمن التسويف وأصبح الهدف تحرير الشمال؟

تشهد الساحة اليمنية خلال الأسابيع الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في...

استعدادات الشتاء 2026.. كيف تحصّن تونس أمنها الطاقي عبر تعزيز احتياطيات الغاز؟

مع اقتراب فصل الشتاء وتزايد التحديات العالمية المرتبطة بالطاقة،...

الرهانات السياسية الضخمة.. هل سيتم إغلاق ملف رئاسة البرلمان العراقي الشاغر؟

دخل العراق الشهر السابع من أزمة شغور رئاسة البرلمان،...

من الخيام إلى الأنقاض.. كيف يصرّ السوريون على التمسك بأرضهم رغم الدمار؟

بعد أكثر من اثني عشر عامًا على اندلاع الأزمة السورية، لا يزال السوريون يقدمون واحدة من أكثر صور الصمود الإنساني لفتًا للأنظار. فمن الخيام التي نُصبت على عجل في الشمال السوري، إلى المدن التي تحولت إلى أنقاض، تمسّك السوريون بأرضهم رغم النزوح والتشريد وفقدان البيوت وغياب الأمن. هذا الإصرار لا يعكس فقط حاجة إلى البقاء، بل يعبر عن هوية شعب فقد الكثير لكنه لم يفقد علاقته بأرضه.

في الوقت الذي يستمر فيه المشهد الإنساني في سوريا بالتدهور؛ حيث يعتمد ملايين السكان على المساعدات، ويواجه آلاف النازحين ظروفًا قاسية في مخيمات تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات، يظهر سؤال ملحّ: كيف يحافظ السوريون على ارتباطهم بأرضهم رغم ما أصابها من دمار؟ هذا السؤال يبدو أكثر أهمية اليوم، مع دخول النزاع مرحلة جديدة من التجاذبات السياسية والاقتصادية، ومحاولات إعادة الإعمار المحدودة، وعودة جزئية للاجئين من بعض الدول.

الخيام.. مسكن الضرورة الذي أصبح واقعًا دائمًا

تُعد المخيمات واحدة من أبرز رموز الأزمة السورية، فشمال البلاد وحده يضم أكثر من 1.7 مليون نازح يعيشون في خيام مؤقتة، بحسب منظمات إنسانية. ورغم محاولات المجتمع الدولي تحسين أوضاع المخيمات، لا تزال الظروف صعبة، خصوصًا في فصل الشتاء حيث تتكرر حالات الغرق والبرد والوفيات، وفي الصيف حيث تنتشر الأمراض وتزداد الحرائق.

لكن اللافت أن معظم النازحين يرفضون مغادرة هذه المخيمات إلى مناطق أخرى خارج سوريا، حتى عندما تُتاح لهم الفرصة. فبالنسبة لهم، رغم قسوة الحياة في الخيمة، فإنها تظل أقرب إلى أرضهم الأصلية من أي مكان آخر، وتسمح لهم بالعودة متى سنحت الظروف. وتشير شهادات ميدانية إلى أن السوريين يرون في البقاء داخل الحدود السورية، مهما كانت الظروف، شكلًا من أشكال المقاومة والصمود في وجه محاولات التهجير الديموغرافي أو فرض واقع سياسي جديد في مناطقهم.

الأنقاض.. ذاكرة المكان التي يصعب مغادرتها

لم تكن المدن السورية مجرد تجمعات سكنية، بل كانت تاريخًا حيًا ومراكز ثقافية واجتماعية. وعندما تعرضت أحياء كاملة للدمار، كما في حلب وحمص ودرعا والرقة وريف دمشق، لم يختفِ ارتباط السكان بها.

وعلى الرغم من أن كثيرين فقدوا منازلهم بالكامل، فإن نسبة كبيرة منهم تُصرّ على العودة إلى مناطقهم، تعمل على ترميم ما يمكن ترميمه، وتعيش أحيانًا بين الأبنية المهدّمة على أمل أن تعود الحياة يومًا.

في حمص القديمة مثلًا، عاد الآلاف إلى مدينتهم رغم الدمار الذي أصاب الأسواق والمساجد والكنائس والأحياء السكنية. كذلك في حلب الشرقية، حيث ما تزال عمليات إعادة الإعمار بطيئة، فإن السكان المتمسكين ببيوتهم يحاولون إعادة رسم الحياة من الصفر: فتح دكاكين مهدمة، إعادة تشغيل خطوط مياه وكهرباء بدائية، وإعادة بناء شبكات اجتماعية جديدة.

تمسك رغم الفقر والبطالة وانهيار الاقتصاد

تكمن المفارقة في أن السوريين الذين يرفضون النزوح النهائي، هم أنفسهم الذين يواجهون واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم. وفي كثير من المناطق، أصبحت الرواتب لا تغطي حتى تكلفة الخبز.

ومع ذلك، يتشبث السوريون بالبقاء. ويقول خبراء اقتصاديون إن هذا التمسك لا يرتبط فقط بالعوامل العاطفية، بل أيضًا بافتقار كثير من السوريين للخيارات البديلة. وتشير منظمات دولية إلى أن كثيرًا من العائدين يواجهون ظروفًا قاسية بعد العودة، مثل فقدان المأوى، وانعدام الخدمات الأساسية، وغياب ضمانات قانونية، ومع ذلك يفضلون هذه الظروف على البقاء في مخيمات خارج البلاد أو مواجهة سياسات تضيّق على اللاجئين.

البيئة الاجتماعية

يتميز المجتمع السوري بروابط اجتماعية قوية، تمتد بين العائلة والحي والقرية والقبيلة. ومع انهيار مؤسسات الدولة وضعف المنظمات الإنسانية، تحولت هذه الروابط إلى شبكة حماية غير رسمية يعتمد عليها الناس للبقاء. فالجيران يتشاركون الطعام، والأقارب يقسمون الدخل القليل فيما بينهم، والمجتمع المحلي يساعد في ترميم البيوت أو تأمين الاحتياجات الأساسية. هذه الروابط لعبت دورًا مهمًا في الحفاظ على وجود السوريين في أرضهم، رغم غياب كثير من شروط الحياة الأساسية.

السياسة والميدان

سياسيًا، لا يزال الملف السوري معلّقًا بين مبادرات دولية لا تجد طريقًا للتنفيذ، وصراعات إقليمية تجعل من الحل السياسي مسارًا مؤجلًا. وفي ظل غياب حل شامل، يستمر النزوح الداخلي في بعض المناطق جراء العمليات العسكرية المتقطعة في الشمال والشرق، وتبقى الأوضاع الإنسانية رهينة الواقع الأمني والسياسي.

هذا المشهد يزيد من تعقيد قرار العودة بالنسبة للنازحين، ويجعل كثيرين يتمسكون بما تبقى لهم من أرض أو مدينة أو حي، بدل المجازفة بالرحيل إلى المجهول.

محاولات إعادة الإعمار

على الرغم من حجم الدمار الهائل، بدأت بعض المناطق تشهد مبادرات محلية صغيرة لإعادة الإعمار، مثل ترميم المدارس والمشافي والأسواق. وفي بعض المدن، تعمل جمعيات مدنية بالتعاون مع سكان محليين على إعادة تأهيل المنازل والبنية التحتية الأساسية. ورغم ضعف الإمكانيات، فإن هذه الجهود تمنح السوريين شعورًا بأن بقاءهم ليس عبثيًا، وأن الحياة قد تعود تدريجيًا.