ذات صلة

جمع

تصنيف الإرهاب في الميزان.. ما هو مستقبل العلاقات العراقية–اللبنانية؟

تعيش العلاقات العراقية–اللبنانية مرحلة حساسة من تاريخها السياسي، بعد...

البندقية نحو صنعاء.. هل انتهى زمن التسويف وأصبح الهدف تحرير الشمال؟

تشهد الساحة اليمنية خلال الأسابيع الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في...

استعدادات الشتاء 2026.. كيف تحصّن تونس أمنها الطاقي عبر تعزيز احتياطيات الغاز؟

مع اقتراب فصل الشتاء وتزايد التحديات العالمية المرتبطة بالطاقة،...

الرهانات السياسية الضخمة.. هل سيتم إغلاق ملف رئاسة البرلمان العراقي الشاغر؟

دخل العراق الشهر السابع من أزمة شغور رئاسة البرلمان،...

البندقية نحو صنعاء.. هل انتهى زمن التسويف وأصبح الهدف تحرير الشمال؟

تشهد الساحة اليمنية خلال الأسابيع الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في الخطاب السياسي والعسكري، بالتوازي مع تحركات ميدانية لافتة في عدد من الجبهات، ما أعاد طرح سؤال جوهري: هل دخلت الحرب مرحلة جديدة عنوانها الانتقال من الدفاع إلى الهجوم، ومن إدارة الأزمة إلى السعي نحو تحرير الشمال، وفي مقدمته صنعاء؟

تغير في المزاج الإقليمي والدولي

تبدو البيئة الإقليمية الآن أكثر ميلًا لإحداث تغيير فعلي في الميدان، فالمجتمع الدولي، الذي ظل لسنوات يضغط باتجاه الحل السياسي، بات أكثر اقتناعًا بأن غياب الضغط العسكري الجدي سمح للحوثيين بتعزيز سيطرتهم والاستفادة من الهدن المتكررة لتطوير قدراتهم القتالية.

وتقول دوائر دبلوماسية إن العواصم المعنية بالملف اليمني تسعى اليوم إلى صيغة “حل مُركّب” تجمع ما بين الحوار السياسي وتحريك الجبهات، خصوصًا بعد أن باتت الهجمات الحوثية على الملاحة الدولية عنصر تهديد مباشر للمصالح الغربية.

في المقابل، تبدو إيران في وضع إقليمي أكثر هشاشة نتيجة الضغوط الاقتصادية والعقوبات، بالتزامن مع انشغالها في ملفات أخرى، ما يحد من قدرتها على دعم حلفائها بالزخم السابق. هذا التراجع النسبي يفتح نافذة لتحرك جديد في اليمن، في حال توافرت الإرادة المحلية.

المجلس الانتقالي الجنوبي وتحول العقيدة القتالية

شهدت الأسابيع الأخيرة تصريحات واضحة من قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي تؤكد الاستعداد للمشاركة في أي عملية عسكرية تهدف إلى دعم “تحرير الشمال”.

وتقرأ مصادر هذا التوجه باعتباره جزءًا من استراتيجية جديدة لتوسيع النفوذ وتأمين الجنوب من التهديدات الحوثية قبل الدخول في أي ترتيبات سياسية مستقبلية حول شكل الدولة.

وتشير مصادر ميدانية إلى أن قوات “درع الوطن” و”العمالقة” و”الانتقالي” بدأت بالفعل في إعادة الانتشار في بعض الجبهات الحساسة، خصوصًا في مأرب وشبوة والضالع، وسط تنسيق غير مسبوق مع قوات طارق صالح في الساحل الغربي، وهو ما اعتبره محللون خطوة في اتجاه صياغة “جبهة موحدة” قادرة على الضغط باتجاه صنعاء.

الشرعية: ضغط شعبي ومأزق سياسي

في مناطق الشرعية، تتزايد الضغوط الشعبية على الحكومة لإعادة النظر في استراتيجية التعاطي مع الملف الحوثي، بعد أن أثبتت السنوات الماضية أن الرهان على التفاهمات والوساطات لم ينتج اختراقًا حقيقيًا.

وتشير تقارير سياسية إلى أن الحكومة تواجه مأزقًا مركّبًا، فهي من جهة غير قادرة على بدء مواجهة واسعة دون دعم تحالفي قوي، ومن جهة أخرى تجد نفسها فاقدة جزءًا من رصيدها الشعبي نتيجة التدهور الاقتصادي وانهيار الخدمات.

هذا الضغط الداخلي يقابله إدراك متزايد داخل الأروقة الرسمية بأن الحوثيين ليسوا بصدد تقديم تنازل سياسي، وأن كل مسارات الحوار السابقة كانت بالنسبة لهم وسيلة لكسب الوقت. لذلك بدأت أصوات داخل الشرعية تتحدث صراحة عن خيار “تحريك الجبهات” باعتباره السبيل الوحيد لفرض تسوية سياسية متوازنة.

جبهات الشمال: هدوء يخفي تحت الرماد جولة مقبلة

رغم الهدوء النسبي على معظم الجبهات، فإن التحركات العسكرية التي ترصدها مصادر محلية تشير إلى استعدادات مختلفة هذه المرة.

في مأرب، تُجرى عمليات تدريب واسعة وإعادة هيكلة للألوية، إلى جانب وصول شحنات لوجستية جديدة؛ وهو ما يشي بوجود توجه لإعادة تشغيل جبهات كانت شبه مجمّدة بفعل الهدن السابقة.

ومع ذلك، ترى مصادر أن أي عملية كبرى لا تستهدف اقتحام صنعاء مباشرة، بل تعتمد على خطة تطويق تدريجية تبدأ بإضعاف الحوثيين في محيط العاصمة، ثم قطع طرق الإمداد، قبل الوصول إلى مرحلة الضغط العسكري المباشر.

تجارب السنوات الماضية كشفت أن الحوثيين ينهارون نفسيًا وميدانيًا عندما يواجهون ضغطًا متعدد الجبهات. وهذا ما قد يحدث إذا تم توافق ثلاثي بين قوات الشرعية والانتقالي وقوات المقاومة الوطنية، بدعم تحالفي يضمن الحد من التفوق الصاروخي والطائرات المسيّرة.

هل انتهى زمن التسويف؟

تقول المؤشرات الحالية إن مرحلة جديدة بدأت بالفعل، وإن الخطاب العسكري لم يعد مجرد رسائل إعلامية، بل جزء من ترتيب ميداني يعيد رسم شكل المعركة مع الحوثيين. ومع ذلك، فإن مسار الأحداث في اليمن بطبيعته معقد، ويتأثر بمعادلات إقليمية متداخلة، ما يجعل الحسم السريع أمرًا بعيدًا.

يبقى السؤال: هل تكون صنعاء الهدف التالي بالفعل، أم أن التسويف سيعود من جديد؟ الإجابة ستتحدد في ضوء ما ستشهده الجبهات خلال الأشهر المقبلة، وما إذا كانت القوى اليمنية قادرة على استغلال اللحظة الإقليمية الراهنة قبل أن تتغير حسابات الأطراف الدولية مجددًا.