لم تكن جماعة الإخوان الإرهابية مجرد تنظيم سياسي أو ديني، بل بنت على مدار عقود شبكة اقتصادية موازية نجحت في التمدد داخل قطاعات مجتمعية وخدمية، شكلت واجهات ناعمة لتحريك أموالها وتوسيع نفوذها.
الاستراتيجية لم تعتمد على التسلل فقط إلى الطبقات الفقيرة، بل على بناء صورة اجتماعية جذابة تخفي وراءها منظومة تمويل ضخمة ترتكز على الجمعيات والمراكز الطبية والمدارس والمشروعات الصغيرة.
الأذرع الإخوانية لم تكن خدمية بقدر ما كانت أدوات استثمارية وتعبوية تخدم البنية الاقتصادية والسياسية للتنظيم.
وفي مناطق نائية من صعيد مصر والدلتا والعشوائيات، انتشرت الجمعيات الأهلية التابعة للتنظيم بشكل مباشر أو غير مباشر.
الجمعيات كانت تقدم منحًا شهرية، مساعدات غذائية، وعلاجًا منخفض التكلفة، لكنها في المقابل كانت تضمن الولاء السياسي والانتخابي، وتفتح المجال للتغلغل في النسيج الاجتماعي بشكل مؤسسي ومنظم.
أدوات اقتصادية متداخلة بواجهة دعوية
النشاط الاقتصادي للإخوان تركز في عدة مجالات حيوية، أبرزها: المستوصفات والعيادات الطبية منخفضة التكاليف، التي أشرف عليها كوادر التنظيم من الأطباء، والمراكز التعليمية الخاصة، والمدارس التي وفرت محتوى تعليميًا مغلفًا بأيديولوجيا التنظيم.
كما كانت المساجد، خصوصًا غير المرتبطة مباشرة بالأوقاف، جزءًا من المنظومة المالية، حيث قدمت منحًا عينية ونقدية، بعضها بشكل موسمي وآخر بشكل منتظم.
بالتوازي، برزت أنشطة أكثر تنظيمًا في قطاعات مثل: الطباعة والنشر، حيث امتلك التنظيم شبكة من المطابع ودور النشر، أسهمت في تدوير رأس المال داخل الدائرة التنظيمية، ونشرت فكر الجماعة ضمن محتوى تعليمي ودعوي موسع.
حتى قطاع التكنولوجيا لم يكن بمنأى عن هذا التمدد، فقد استغلت الجماعة الانتشار الواسع للإنترنت وشبكات التواصل، وأنشأت كتائب إلكترونية، بعضها يعمل داخل شركات مسجلة، لتوظيف البنية الرقمية في تعزيز حضورها السياسي والدعائي.
الرقابة على هذه الأنشطة كانت ضعيفة، خصوصًا قبل عام 2013، وهو ما سمح ببناء شبكات تمويل معقدة يصعب تتبعها، يتم عبرها تدوير الأموال وتمويل العمليات الداخلية والخارجية.
بعد السقوط.. تفكيك الشبكة وتمرير الأموال إلى الخزانة العامة
عقب أحداث 30 يونيو 2013، بدأت الحكومة المصرية إجراءات تفكيك البنية الاقتصادية للتنظيم، من خلال لجنة قضائية مختصة بالتحفظ على أموال الجماعات الإرهابية.
تبع ذلك واحدة من أكبر عمليات المصادرة في تاريخ الدولة، حيث شملت أكثر من ألف جمعية أهلية، ومئات الشركات والمدارس والمستشفيات والمواقع الإلكترونية.
وفق التقديرات الرسمية، تم نقل ما يقارب 300 مليار جنيه إلى الخزانة العامة، بعد تأكيد ارتباط هذه الكيانات بتمويل أنشطة الجماعة.
الأموال المصادرة لم تكن في حسابات مصرفية فقط، بل شملت عقارات، أراضي، معدات، أصولًا تجارية وأموالًا نقدية كانت تستخدم في إدارة شبكة معقدة من التمويل غير المشروع.
القوانين التي أعقبت ذلك سمحت للدولة ليس فقط بالتحفظ، بل بالتصرف في تلك الأموال عبر التأجير أو البيع، لضمان استثمارها لصالح الدولة، بعد أن ثبت أن تجميدها وحده لا يحقق عائدًا اقتصاديًا.
ويقول المحلل في شؤون الإسلام السياسي، سامح عيد: إن ما فعلته جماعة الإخوان خلال العقود الماضية لم يكن مجرد عمل خيري أو اجتماعي كما يدعون، بل كان غطاء واسعًا وفعالاً لتمويل سياسي منظم، اعتمد على النفاذ إلى المناطق المهمشة، حيث ضعف الدولة وفقر الخدمات.
ويضيف عيد – في تصريحات خاصة لـ”ملفات عربية”-، إن الخطر الحقيقي لم يكن فقط في حجم الأموال المتداولة، بل في أن هذه الأموال كانت تستخدم في إعادة تدوير النفوذ داخل المجتمع، وتثبيت حضور الجماعة عبر ما يشبه اقتصادًا موازيًا له طابع دعوي لكن بأجندة سياسية خالصة، والربط بين الخدمات الاجتماعية والدعم السياسي كان جزءًا من استراتيجية أوسع للجماعة، وهي استراتيجية تجمع بين التأثير الشعبي والتمويل الذاتي، ما يجعل محاربتها معقدة ما لم تكن الرقابة على الجمعيات الأهلية شاملة وفعالة.