في تطور مفاجئ يعكس تغيرًا غير مسبوق في شكل العلاقات السورية الإسرائيلية، كشفت تسريبات إعلامية وعسكرية عن وجود تفاهمات أمنية غير معلنة بين نظام الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع وإسرائيل، وسط مؤشرات على تبلور “صفقة صامتة” تقايض الاستقرار الأمني في الجنوب السوري بالتغاضي عن مستقبل مرتفعات الجولان المحتلة.مفاوضات غير مباشرة في باريس وخلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة الفرنسية باريس، أدلى الرئيس أحمد الشرع بتصريح نادر تحدث فيه عن “وجود مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل”، وهو ما عزز التكهنات بشأن ترتيبات سياسية وأمنية يجري العمل عليها خلف الكواليس، بعيدًا عن الأطر الدبلوماسية الرسمية أو الوساطات الإقليمية المعروفة.واعتبر المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، والباحث البارز في مركز القدس، العقيد جاك نيربا، أن اللقاء الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بعدد من كبار المسؤولين السابقين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية “يشكل نقطة تحول في العلاقات المضطربة بين البلدين”، وهو اللقاء الذي لم يُعلن رسميًا حتى الآن، لكن تم تأكيده من عدة مصادر إسرائيلية.مصالح متقاربةوبحسب صحيفة معاريف العبرية، فإن العقيد نيربا يرى أن هناك “تقاربًا نادرًا في المصالح” بين الطرفين، إذ يخشى الشرع من أي دعم إسرائيلي محتمل للمكونين الكردي والدرزي داخل سوريا، خشية أن يؤدي ذلك إلى تفكك سلطته في الجنوب والشمال الشرقي من البلاد، وبالمقابل، فإن إسرائيل لا تخفي قلقها من تمركز ميليشيات جهادية على حدودها، وتسعى لمنع أي تمدد عسكري غير منضبط في محيط الجولان.ويرجّح نيربا أن هذا “التقاطع في المخاوف” هو ما أفرز تفاهمات غير معلنة، قد تفضي لاحقًا إلى ترتيبات أمنية رسمية، تبدأ بمنح إسرائيل هامش تدخل لمنع تمركز الميليشيات، مقابل التزام النظام السوري بحماية الأقليات وعدم المساس بها، ما يشكل نوعًا من “الهدنة الواقعية” طويلة الأمد.جبل الشيخ.. جوهرة المراقبة التي تُعاد هندستها أمنيًاكما كشف العقيد نيربا أن من أبرز ما نوقش خلال اللقاء بين الشرع والمسؤولين الإسرائيليين السابقين، كان ملف الترتيبات الأمنية في منطقة جبل الشيخ، وهي نقطة استراتيجية تمنح أفضلية في مراقبة التحركات العسكرية باتجاه دمشق والوادي. ولفت إلى أن هناك نية لإحداث تغييرات في بنية المنطقة العازلة، وربما رسم خطوط أمنية جديدة قد تستمر لخمسين عامًا قادمة، شريطة التزام الطرف السوري بما وصفه بـ”حسن النوايا”.هل يمهّد الشرع لتطبيع ناعم؟ويرى مراقبون أن هذه التطورات قد تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات تتجاوز حالة الحرب الباردة القائمة منذ عقود، فبينما لا تزال الجولان رسمياً تحتل مكانة مركزية في الخطاب السياسي السوري، فإن بروز قنوات تفاهم حول ترتيبات ميدانية يشي بوجود نوع من المقايضة غير المباشرة؛ للسكوت السوري مقابل الأمن الإسرائيلي.وفي ظل انشغال سوريا في إعادة ترتيب الداخل، بعد أكثر من عقد من الحرب، يبدو أن الشرع يحاول اللعب على توازنات دولية وإقليمية جديدة، مستخدمًا ورقة الحدود الجنوبية لإرضاء قوى كبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي تدعم استقرار إسرائيل كأولوية استراتيجية.الجولان في ميزان التسوياتوحتى اللحظة، لا يوجد ما يشير إلى تنازل سوري مباشر عن المطالبة بالجولان، لكن تعاظم الحديث عن تفاهمات أمنية بصيغة ناعمة، يفتح الباب أمام سيناريوهات غير تقليدية لمستقبل العلاقة بين دمشق وتل أبيب، وفي حال تطورت هذه التفاهمات إلى ترتيبات رسمية، فإن الشرق الأوسط قد يكون على أبواب واحدة من أكثر صفقات الاستقرار إثارة للجدل منذ عقود.وسبق أن كشفت مصادر دبلوماسية عن زيارة وفد سوري إلى تل أبيب بشكل سري، بهدف التفاوض حول تهدئة التوترات على الحدود الجنوبية، خاصة في المناطق ذات الأغلبية الدرزية، ورغم عدم الإعلان الرسمي عن هذه الزيارة، إلا أن مراقبين يرون فيها محاولة من دمشق لفتح قنوات اتصال مباشرة مع إسرائيل، بعيدًا عن الوساطات التقليدية.ويرى محللون أن الشرع يسعى من خلال هذه التحركات إلى كسب دعم دولي لحكومته الانتقالية، وتخفيف الضغوط الإقليمية، خاصة في ظل تصاعد التوترات مع إسرائيل. ويشير المراقبون إلى أن الشرع يحاول تقديم نفسه كشريك موثوق في تحقيق الاستقرار، مع الحفاظ على موقفه الرافض للتدخلات الخارجية في الشأن السوري.مستقبل العلاقات السورية – الإسرائيليةوبينما تُعدّ هذه التطورات مؤشرات على احتمال حدوث تقارب بين دمشق وتل أبيب، إلا أن الطريق لا يزال محفوفاً بالتحديات، خاصة في ظل الرفض الشعبي لأي تطبيع مع إسرائيل، واستمرار التوترات في المناطق الجنوبية. ويبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة الشرع على تحقيق توازن بين التهدئة مع إسرائيل والحفاظ على الدعم الداخلي لحكومته.
مقايضة الجولان بالاستقرار؟.. تسريبات عن تفاهمات غير مُعلنة بين الشرع ونتنياهو
