عاد التوتر بين بيروت وتل أبيب إلى الواجهة، ولكن هذه المرة خارج إطار الرسائل التقليدية والمناورات السياسية المعتادة، فالتصعيد المتدرج، وتبدّل نبرة الخطاب، وتداخل الجبهات الإقليمية.
وقالت مصادر: إن التطورات الأخيرة تشير إلى أنه مع تصاعد عمليات القصف المتبادل، واتساع رقعة الاستهداف، وارتفاع منسوب الخطاب السياسي والعسكري، هذا التحول لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي الأوسع، حيث تتشابك الساحات من غزة إلى الجنوب اللبناني، وتتحول الحدود إلى نقاط تماس مفتوحة على احتمالات متعددة، تتجاوز مجرد “الضغط المتبادل” إلى اختبار حقيقي لقواعد الاشتباك.
بيروت بين الحسابات الداخلية وضغط الميدان
وأكدت المصادر، أن هذا التصعيد في وقت بالغ التعقيد سياسيًا واقتصاديًا، فالدولة اللبنانية، التي تعاني من فراغات مؤسسية وأزمة اقتصادية خانقة، تجد نفسها أمام معادلة صعبة، كيف يمكن إدارة مواجهة مفتوحة أو شبه مفتوحة، في ظل محدودية الخيارات وغياب الغطاء الدولي الواضح؟
كما أن الخطاب الرسمي اللبناني يركز على التمسك بالقرار الدولي 1701، وعلى رفض توسيع رقعة الحرب، لكنه في الوقت نفسه يعكس إدراكًا متزايدًا بأن هامش المناورة السياسية يضيق. فكل تصعيد ميداني، حتى وإن كان محدودًا، يفرض وقائع جديدة على الأرض، ويعيد خلط الأوراق داخليًا وخارجيًا.
تل أبيب وتبدّل قواعد الردع
في المقابل، تنظر تل أبيب إلى الجبهة اللبنانية من زاوية أمنية بحتة، لكنها باتت تتعامل معها ضمن سياق أوسع من “الردع المتبادل”، فالتقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن أي تراخٍ في الرد قد يُفسَّر كضعف، في مرحلة تعتبرها “إسرائيل” حاسمة لإعادة ترميم صورة الردع التي اهتزت في أكثر من ساحة، هذا ما يفسر الانتقال من سياسة “الاحتواء” إلى سياسة “الضغط المستمر”، عبر استهدافات أوسع ونبرة أكثر حدة في التصريحات الرسمية.
ومع ذلك، ما تزال تل أبيب حذرة من الانزلاق إلى حرب شاملة، لما تحمله من كلفة عسكرية واقتصادية وسياسية باهظة.
الخطوط الحمراء.. من يرسمها الآن؟
وترى المصادر، أن هذه الخطوط لم تعد واضحة المعالم، فالتصعيد المتكرر، وتبادل الرسائل النارية، وتوسيع بنك الأهداف، كلها عوامل تُضعف فكرة الخط الأحمر الثابت، وتحوّله إلى مساحة رمادية قابلة للاختراق.
البعد الإقليمي والدولي
وأضافت: أنه لا يمكن قراءة ما يجري بين بيروت وتل أبيب بمعزل عن التوازنات الإقليمية والدولية، فالقوى الكبرى تراقب المشهد عن كثب، وتسعى إلى منع توسع المواجهة، لكنها في الوقت نفسه تستخدم أدوات الضغط السياسي والدبلوماسي بما يخدم مصالحها و الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تدفع باتجاه ضبط الإيقاع ومنع الانفجار، لكنها تمنح تل أبيب هامشًا واسعًا للتحرك تحت عنوان “حق الدفاع عن النفس” أما القوى الإقليمية، فتتعامل مع الجبهة اللبنانية كجزء من لوحة أكبر تتعلق بموازين القوى في الشرق الأوسط.
انعكاسات محتملة على لبنان والمنطقة
وقالت المصادر: إن أي تصعيد واسع ستكون له تداعيات كارثية على لبنان، الذي يفتقر إلى مقومات الصمود الطويل في مواجهة حرب مفتوحة، كما أن الاستقرار الهش في المنطقة قد يتعرض لهزة عنيفة، تعيد رسم خرائط النفوذ وتفتح جبهات جديدة.
في المقابل، يدرك المجتمع الدولي أن انفجار الجبهة اللبنانية سيعقّد الأزمات القائمة، من الطاقة إلى الأمن الإقليمي، ما يدفعه إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية، وإن كانت حتى الآن دون نتائج حاسمة.
واختتمت المصادر، أن ما وراء الخطوط الحمراء، يقف لبنان و“إسرائيل” عند مفترق طرق بالغ الخطورة، فالتصعيد الحالي يشير إلى تآكل أدوات المناورة السياسية، وصعود لغة القوة كوسيلة أساسية لإيصال الرسائل، وبينما ما تزال الحرب الشاملة خيارًا مكلفًا يسعى الجميع لتجنبه، فإن استمرار الضغط الميداني قد يجعلها احتمالًا أقرب مما يبدو.

