في تحوّل لافت، بدأ الحوثيون في بناء شبكة اتصالات داخلية خاصة بهم، تعتمد على تقنيات روسية وصينية، في محاولة لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الإيرانية التي باتت تُشكّل خطرًا أمنيًا محتملًا، وبحسب تقارير يمنية، فإن الجماعة باتت تخشى اختراقًا مشابهًا لما حدث لحليفها حزب الله في لبنان، حيث نجحت إسرائيل في استهداف مقار وقيادات بارزة عبر وسائل تنصت متقدمة.
الرقابة الحوثية على السكان في اليمن
وتمثّل هذه الخطوة محاولة استراتيجية لحماية قيادات الجماعة من عمليات الرصد والتصفية، خاصة بعد تصاعد المواجهات مع الولايات المتحدة والتوتر المتزايد مع إسرائيل.
وإلى جانب تطوير شبكات الاتصالات، توسعت أيضًا الجماعة الحوثية في فرض الرقابة على السكان في مناطق سيطرتها، خاصة العاصمة صنعاء، ونشر الحوثيون كاميرات مراقبة متطورة في الشوارع، الأحياء، الأسواق، وعلى مآذن المساجد وأسطح المباني، وجميعها مزوّدة بلاقطات صوت حساسة وتخضع لإشراف أمني مباشر.
كما ألزمت المباشر أصحاب المحال التجارية والمؤسسات بتركيب الكاميرات، وعدم ربطها بالإنترنت، وتخزين التسجيلات لفترات طويلة، ضمن سياسة رقابة مشددة تهدف إلى منع أي تحركات معارضة أو تجمعات شعبية غاضبة في ظل تدهور الأوضاع المعيشية.
تحديث بنية الاتصالات العسكرية بدعم من الصين وروسيا
ووفقًا لمنصة “ديفانس لاين”، المختصة في الشأنين الأمني والعسكري، حصل الحوثيون على معدات اتصالات متطورة من الصين وروسيا، جرى تهريبها عبر مطار صنعاء، وموانئ الحديدة، وحتى عبر البحر بإشراف مباشر من القيادي الحوثي ماجد مرعي، وهو المساعد المالي للقيادي أحسن الحمران رئيس الجهاز، وتشمل هذه المعدات أدوات لاستخراج البيانات، وأجهزة تشفير، وأنظمة مراقبة إلكترونية.
وأضافت المنصة أن الميليشيات تسارع إلى تطوير شبكة اتصالاتها وتحديثها بالمعدات الصينية والروسية، بعد أن صارت غالبية تحركاتها واتصالات قياداتها مكشوفة للأقمار الاصطناعية وطائرات الاستطلاع الحديثة، ضمن عمليات التجسس والرقابة المكثفة التي تتعرض لها من طرف أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية والبريطانية، وتجنيد عملاء من الداخل.
وذكرت أن ما يُعرف بـ”جهاز الأمن الوقائي الجهادي”، سيحصل على أجهزة ومعدات إلكترونية لتفريغ البيانات من الصين، مشيرة إلى أن الحوثيون تلقوا معدات وأجهزة متطورة عبر شحنات تصل إلى مطار صنعاء ومواني الحديدة، بالإضافة إلى طرق تهريب بحرية وبرية.
وتُظهر هذه الخطوات سعي الحوثيين إلى بناء بنية تحتية رقمية متكاملة خارج إطار الدولة اليمنية، تمكّنهم من إدارة عمليات عسكرية وأمنية بسرية تامة، بعيدًا عن أي اختراق خارجي محتمل من الولايات المتحدة أو إسرائيل.
هل تتحول الميليشيات إلى دولة داخل الدولة؟
وبالإضافة إلى شبكات الاتصالات والمراقبة، تعمل الجماعة على إنشاء أجهزة أمنية جديدة مثل جهاز أمن الثورة واستخبارات الشرطة، التي ترتبط بشكل مباشر بزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، وهذه الأجهزة تُكلَّف بمهام تتعلق برصد الأنشطة الاستخباراتية الأجنبية، وفرض الرقابة على كل الأجهزة الأمنية الأخرى، مما يعكس رغبة الجماعة في احتكار كل مفاصل الأمن الداخلي.
ويرى مراقبون أن هذه الأجهزة تمثل نواة لبناء دولة موازية، تُدار بتكنولوجيا حديثة وهيكل أمني مغلق، يجعل من الصعب على المواطنين أو حتى القوى المعارضة معرفة ما يجري خلف الكواليس.
وتنفذ الميليشيات الحوثية أقصى درجات الحيطة والحذر في استخدام هذه الشبكات، بسبب مخاوفها من أي اختراقات تتسبب في الكشف عن مواقعها ومقارها وتحركات قادتها؛ وبسبب ذلك تجنبت تماماً ربط هذه الشبكة بشبكة الإنترنت، فضلًا عن الكشف عن أي حركة تمرد أو تجمعات أو مظاهرات لمناهضة الجماعة، في ظل مخاوفها من غضب السكان بسبب سوء الأوضاع المعيشية.
دولة المراقبة الحوثية.. من حماية الذات إلى فرض السيطرة
وفي ظل تطورات الملف اليمني، فإن توسع الحوثيين في بناء شبكات اتصالات خاصة، وتعزيز المراقبة الواسعة على السكان، لا يعبّر فقط عن مخاوف أمنية، بل عن رغبة واضحة في ترسيخ حكم شمولي رقمي يُخضع المواطنين للرقابة الدائمة.
كما تعمل الجماعة منذ عامين على تحديث شبكات الاتصالات العسكرية والأمنية بإشراف مباشر من القيادي علي حسين الحوثي، نجل مؤسس الجماعة، والذي يقود بدوره جهازًا أمنيًا جرى استحداثه خلال هذه الفترة بمسمى “استخبارات الشرطة”.
وهذا النهج يشبه إلى حد بعيد نماذج “الدولة الأمنية” في أنظمة استبدادية معروفة، ويطرح تساؤلات جدية عن مستقبل اليمن: هل يستطيع هذا النظام الأمني أن يستمر في ظل الغضب الشعبي والتدهور المعيشي؟، أم أن هذه “الدولة الخفية” ستنقلب على نفسها عندما تنفجر الضغوط من الداخل.