بعد أعوام ضخمة من الخلافات، ونشره للادعاءات ومحاولاته المستميتة لتشويه مصر في بلاده وبالمحافل الدولية، غيّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من لغته تماما بشأن القاهرة، بهدف إتمام المصالحة وكسر العزلة التي تعيشها بلاده وتحسين علاقاته الخارجية.
ومنذ شهر فبراير عدّل أردوغان حديثه عن مصر، خاصة بالأمس، بعد انتهاء أولى الجولات الدبلوماسية الاستكشافية التي احتضنتها القاهرة، ليثير جدلا ضخما بهذا الشأن.
وقال أردوغان إن تركيا تسعى لاستعادة “الوحدة” مع الشعب المصري، مضيفا أنه يجب الحفاظ على استقلالية بلاده الكاملة بما يتعلق بسياستها الخارجية.
وتابع أردوغان، في تصريحات صحفية نقلتها وكالة الأناضول التركية الرسمية، أنه: “نسعى لاستعادة الوحدة ذات الجذور التاريخية مع شعب مصر ومواصلتها مجددا”، حسب قوله.
وأشار إلى: “تركيا دولة صامدة بكل شموخ وليست دولة يحدد الآخرون ما تفعله في السياسة الخارجية”.
وأكد الرئيس التركي أن مرحلة جديدة من العلاقات مع مصر قد بدأت، موضحا أن اللقاءات في السابق كانت تتمّ على مستوى استخباراتي، إلا أنها انتقلت الآن للمستوى السياسي.
كما شدد على أن بلاده ستواصل العملَ على تطويرِ وتسريعِ المحادثات مع مصر، ما يكشف عن رغبته الضخمة في إتمام المصالحة بأي شكل مع القاهرة.
وقبله، علق نائبه فؤاد أقطاي، على المباحثات التي استمرت يومين بالقاهرة، بقوله إنه على الرغم من أن العلاقات مع مصر تشهد توترا في الآونة الأخيرة، إلا أن التعاون الثنائي يصب في مصلحة البلدين.
وأضاف أقطاي، خلال مقابلة تلفزيونية: “نحن منفتحون على تطوير علاقاتنا مع جميع دول المنطقة وعلى أساس الاحترام المتبادل بين الجانبين”، مؤكدا: “قد تكون علاقتنا السياسية مع مصر متوترة، لكن تعاون البلدين يصب في صالحهما، وهي جارتنا في شرق المتوسط، ولدينا علاقات قرابة وشراكة تجارية معها”.
وتابع أن “هذه الخطوة أظهرت الرسائل اللازمة حول تحسين العلاقات.. لا يمكن القول إن العلاقات مع مصر انقطعت بالكامل، فقد كانت هناك اتصالات استخباراتية ودبلوماسية، والآن بدأت عملية التطبيع على مستوى نواب الوزراء”.
فيما احتفى أيضا وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بالمباحثات مع القاهرة، حيث قال أمس، إن مفاوضات إعادة العلاقات مع مصر تمت في أجواء إيجابية، وستستمر خلال الفترة المقبلة.
وأشار إلى أن التعاون بين أنقرة والقاهرة يمكن أن يكون مثمرا، وقضايا ليبيا وسوريا والعراق مهمة للبلدين، مؤكدا أن الاجتماعات بين مسؤولي الخارجية المصريين والأتراك التي جرت مؤخرا تمت في أجواء إيجابية.
وكانت الخارجية المصرية، أصدرت بيانا ختاميا بشأن المباحثات الاستكشافية مع تركيا بشأن القضايا الثنائية والإقليمية، التي وصفتها المناقشات بالصريحة والمعمقة.
وقالت الخارجية المصرية، في بيانها الختامي، إن المُباحثات الاستكشافية بين وفدي مصر وتركيا التي احتضنتها القاهرة اختتمت بعد يومين؛ جرت رئاسة نائب وزير الخارجية السفير حمدي سند لوزا، ونائب وزير خارجية تركيا السفير سادات أونال.
وأضافت أن المباحثات في القضايا الثنائية، وعدد من القضايا الإقليمية، خاصة الوضع في ليبيا وسوريا والعراق وضرورة تحقيق السلام والأمن في منطقة شرق المتوسط.
وأشارت الخارجية المصرية إلى أنه “سيقوم الجانبان بتقييم نتيجة هذه الجولة من المشاورات والاتفاق على الخطوات المقبلة”.
وشهدت تلك المباحثات كسر الحاجز مع أنقرة، بعد سنوات من القطيعة، كخطوة تمهيدية يمكن البناء عليها، حيث من المحتمل زيارة وفد برلماني تركي القاهرة خلال الشهر الجاري.
وكانت مصادر رفيعة كشفت أنه قبيل تلك المشاورات اتفق مسؤولو القاهرة وأنقرة، بشكل مبدئي على تشكيل لجنة مشتركة من البلدين لحل الخلافات بينهما، والملفات الشائكة، وعلى رأسها الملف الليبي.
وأضافت المصادر أن مصر اشترطت بحزم انسحاب القوات الأجنبية والتركية من ليبيا، كشرط أساسي لإعادة العلاقات، حيث أعطت مصر الوفد التركي ملفا يتضمن المطالب الخاصة والمحددة، بجدول زمني، لإعادة العلاقات بين البلدين وإتمام القمة المنتظرة بين البلدين.
ومن بين تلك المطالب المصرية، هو عدم إعادة العلاقات الدبلوماسية وسفراء البلدين إلا بعد الموافقة على المطالب والتوافق على الخطوط العريضة والاتفاق على البنود الرئيسية وتنفيذ عدد من المطالب المصرية، وتنفيذ الجدول الزمني لاجتماعات مصرية – تركية لحسم الموقف من الملفات الخلافية، بحسب المصادر.
وفي المقابل، تأمل تركيا أن تدعمها مصر في ملف شرق المتوسط بهدف تقريب وجهات النظر، ولكن من المستبعد أن تنصاع القاهرة لذلك الأمر، نظرا لاتفاقياتها مع قبرص واليونان.
وأوضح إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية، أن استعادة العلاقات مع مصر سينعكس إيجابًا على الوضع في ليبيا، موضحا مساعي أنقرة للحفاظ على نفوذها فيها، أملا في أن تسفر عن تعاون متجدد بين البلدين وتساعد في الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في ليبيا.