في تحول دراماتيكي قلب الموازين السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، جاء إعلان إلغاء قانون “قيصر” ليكون بمثابة “زلزال جيوسياسي” لم تتوقف ارتداداته عند حدود الداخل السوري فحسب، بل امتدت لتشمل العواصم الكبرى.
وقالت مصادر: إن هذا التطور الذي وصفته دمشق بأنه “مرحلة جديدة من التعافي والاستقرار”، يطرح تساؤل جوهري حول لغز التوقيت، وما هي المسارات التي سيسلكها الاقتصاد السوري في حقبة ما بعد العقوبات؟
لغز التوقيت
وأكدت المصادر، أنه لم يكن إلغاء القانون مجرد إجراء إداري، بل جاء في توقيت حساس يثير الكثير من التكهنات، حيث ترى أن الضغوط الدولية بلغت ذروتها، وأن الحاجة الإقليمية لعودة سوريا كحلقة وصل تجارية بين الخليج وأوروبا فرضت واقعًا جديدًا، كما أن صمود الدولة السورية أمام سنوات من “الخنق الاقتصادي” أثبت أن سياسة العقوبات القصوى لم تحقق أهدافها السياسية، مما دفع القوى الدولية للبحث عن “مخرج واقعي” يضمن الاستقرار الإقليمي ويمنع انهيارًا شاملاً قد يؤدي إلى موجات هجرة جديدة وفراغ أمني.
سيناريوهات ترسم مستقبل سوريا الاقتصادي
وبناءً على المعطيات الراهنة، يمكن رسم خمسة مسارات محتملة لمستقبل الاقتصاد السوري وفق رؤية المصادر، ومنها: سيناريو “الانفجار الاستثماري”، هذا هو السيناريو الأكثر تفاؤلاً، حيث يتوقع الخبراء تدفقًا فوريًا لرؤوس الأموال العربية والأجنبية التي كانت تتحين الفرصة للدخول إلى السوق السورية، مع غياب “بعبع” العقوبات، قد نشهد عودة قوية للشركات القابضة الكبرى للاستثمار في قطاعات العقارات، السياحة، والبنية التحتية.
هذا المسار سيعتمد بشكل أساسي على سرعة إصدار تشريعات سورية جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر.
وثانيًا سيناريو “ثورة الطاقة وإعادة الربط”، حيث أن سوريا تمثل قلب “الربط السداسي” للطاقة، وإلغاء قيصر يعني تفعيل مشاريع نقل الغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر سوريا إلى لبنان وتركيا وبالعكس، هذا السيناريو سيجعل من سوريا “مركز طاقة إقليمي”، مما يوفر لخزينتها إيرادات هائلة بالعملة الصعبة من رسوم العبور، ويحل أزمة الكهرباء والوقود المحلية بشكل جذري.
أما عن السيناريو الثالث -وفق المصادر- وهو “التعافي المتدرج والمراقب”، و في هذا المسار، قد يتحرك الاقتصاد ببطء في البداية نتيجة الدمار الذي لحق بالهيكل الإنتاجي.
هنا، سيكون التركيز على “الاقتصاد الحقيقي” أي الزراعة والصناعات التحويلية. التعافي سيكون مستدامًا لكنه يحتاج لسنوات، حيث ستعمل الدولة على ترميم المصانع في حلب وريف دمشق، وإعادة الفلاحين إلى أراضيهم، مما يضمن أمناً غذائياً يقلل الاعتماد على الاستيراد.
ورغم إلغاء قيصر، قد تظل بعض الحساسيات الغربية قائمة، هذا السيناريو يفترض أن سوريا ستتوجه بقوة نحو تكتلات مثل “بريكس”، ليكون التمويل الأساسي للإعمار من الصين وروسيا ودول الخليج، هذا المسار سيعيد صياغة التحالفات الاقتصادية السورية، لتصبح دمشق عقدة رئيسية في مشروع “الحزام والطريق” الصيني في شرق المتوسط.
التحديات القائمة
رغم التفاؤل الكبير، ما تزال هناك تحديات هيكلية. فإلغاء القانون هو “فتح للباب”، لكن السير في الطريق يتطلب إعادة هيكلة النظام المصرفي ليتماشى مع المعايير الدولية ويسمح بتبادلات سريعة وآمنة.
ومكافحة الفساد لضمان وصول أموال الإعمار إلى مشاريعها الحقيقية وتأهيل الكوادر البشرية التي استنزفتها سنوات الحرب والهجرة.
سوريا ما بعد “قيصر”
واختتمت المصادر، أن إلغاء قانون قيصر ليس مجرد انتصار سياسي لدمشق، بل هو إعلان عن بدء “حرب البناء”، ولغز التوقيت يشير إلى أن العالم أدرك أخيرًا أن استقرار الشرق الأوسط يمر حتمًا عبر استقرار سوريا وتماسك اقتصادها.
كما أن السيناريوهات الخمسة المطروحة تؤكد أن الفرصة الآن مواتية لقفزة نوعية، شريطة استغلال الزخم الدولي وتحويله إلى برامج تنموية تلمس حياة المواطن السوري الذي انتظر طويلاً هذه اللحظة.

