عادت المخاوف النووية إلى واجهة المشهد الآسيوي مع تصعيد لهجة كوريا الشمالية تجاه اليابان، في مؤشر جديد على هشاشة التوازنات الأمنية في منطقة شرق آسيا.
التصريحات الأخيرة الصادرة من بيونغ يانغ تعكس قلقًا عميقًا من أي تحول في العقيدة الدفاعية اليابانية، خصوصًا إذا ما اتجهت طوكيو نحو خيارات نووية من شأنها إعادة رسم خريطة الردع الإقليمي.
التصعيد لا يأتي في فراغ، بل يتقاطع مع بيئة دولية مشحونة، تتزايد فيها سباقات التسلح، وتتصاعد فيها الشكوك المتبادلة بين القوى الإقليمية الكبرى.
اليابان تحت مجهر الشكوك النووية
وقد أثارت نقاشات داخل الدوائر السياسية اليابانية حول مستقبل الأمن القومي تساؤلات واسعة في المنطقة، خاصة مع تداول أفكار تتعلق بضرورة الاعتماد على القدرات الذاتية في ظل تحولات التحالفات الدولية.
الطروحات وإن لم تتحول إلى سياسة رسمية، اعتُبرت من قبل أطراف إقليمية مؤشرًا خطيرًا على كسر أحد المحرمات التاريخية التي التزمت بها اليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وترى بيونغ يانغ، أن مجرد فتح هذا الباب يمثل تجاوزًا لخطوط حمراء راسخة، ويقوض التفاهمات غير المعلنة التي حكمت الأمن الإقليمي لعقود.
موقف كوري شمالي حاد ورسائل ردع
التحذير الكوري الشمالي جاء بصيغة حاسمة، عاكسًا رؤية تعتبر أن أي سعي ياباني لامتلاك سلاح نووي لن يكون شأناً داخليًا، بل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي.
وتربط بيونغ يانغ بين التاريخ العسكري لليابان ومخاوفها الحالية، معتبرة أن عودة النزعة العسكرية عبر بوابة نووية قد تقود المنطقة إلى سيناريوهات كارثية.
وتسعى كوريا الشمالية من خلال هذا الخطاب إلى تثبيت معادلة ردع نفسية وسياسية، تضع فيها نفسها كحارس لتوازن القوى في مواجهة ما تعتبره اختلالًا محتملًا.
سباق تسلح إقليمي يلوح في الأفق
يثير الجدل حول الطموحات النووية اليابانية مخاوف من تداعيات أوسع، إذ تخشى دول المنطقة من أن يؤدي أي تحول في موقف طوكيو إلى سلسلة ردود فعل متبادلة، فامتلاك اليابان للسلاح النووي، إن حدث، قد يدفع قوى إقليمية أخرى إلى مراجعة سياساتها الدفاعية، ما ينذر بسباق تسلح يصعب احتواؤه.
وفي هذا السياق، تبدو شبه الجزيرة الكورية إحدى أكثر النقاط هشاشة، حيث تتقاطع الحسابات النووية مع صراعات تاريخية وتحالفات متشابكة.
ازدواجية المعايير في الخطاب النووي
تضع بيونغ يانغ نفسها في موقع المنتقد لأي توسع نووي جديد، رغم امتلاكها ترسانة نووية متقدمة، هذا التناقض يفتح الباب أمام جدل واسع حول ازدواجية المعايير في النظام الدولي، حيث تدان بعض الدول لمجرد طرح أفكار نووية، بينما تُدار ملفات دول أخرى بمنطق الاحتواء.
ومع ذلك، ترى كوريا الشمالية، أن قدراتها النووية دفاعية بحتة، ومرتبطة بضرورات الردع في مواجهة الضغوط العسكرية الخارجية.
في ضوء هذه التطورات، يبدو أن شرق آسيا مقبل على مرحلة من التوتر المتزايد، ما لم تضبط الخطابات التصعيدية وتعاد تأكيد الالتزامات الدولية بمنع الانتشار النووي.

