ذات صلة

جمع

صرخة من نيويورك.. ماذا وراء استهداف الحوثيين لموظفي الأمم المتحدة؟

في تصعيد خطير ومفاجئ، هزّت أروقة الأمم المتحدة في...

خلف الأبواب المغلقة.. كيف أعادت الصدمات رسم الشخصية اللبنانية؟

بين انفجار مرفأ بيروت الذي صُنف كواحد من أكبر...

شرعنة المليشيات: دلالات تعيين مناوي نائباً للبرهان ومخاطر “خصخصة” الجيش

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية السودانية...

بأمر “الزي العسكري”.. كيف أصبحت فوهات بنادق الجيش السوداني موجهة لصدور الأبرياء؟

في الوقت الذي ينتظر فيه السودانيون من مؤسستهم العسكرية أن تكون درعًا واقيًا يحميهم من ويلات الحرب الأهلية، جاء التحقيق الاستقصائي الصادم الذي نشرته شبكة CNN ليفجر قنبلة مدوية، كاشفًا عن تحول مأساوي في عقيدة المواجهة.

إن التحقيق الذي اعتمد على شهادات حية، صور أقمار صناعية، ومقاطع فيديو مسربة، يضع الجيش السوداني وأتباعه من المليشيات المتحالفة معه في قفص الاتهام بارتكاب “جرائم قتل جماعي” واستهداف مباشر للمدنيين العزل.

زلزال تحقيق CNN

لم يكن تقرير CNN مجرد ادعاءات مرسلة، بل كان تشريحًا دقيقًا لسلسلة من الانتهاكات التي وقعت تحت غطاء “الشرعية” و”حماية الدولة”.

حيث وثق التحقيق بالصور والوثائق كيف تحولت مناطق معينة في السودان إلى ساحات لتصفيات ميدانية، حيث أشار التقرير إلى أن القوات العسكرية وأتباعها نفذوا عمليات إعدام جماعية بحق مدنيين لا علاقة لهم بالصراع المسلح، بناءً على انتماءات عرقية أو للاشتباه في ولائهم لقوات الدعم السريع، هذه الشهادات كشفت عن نمط متكرر من العنف، حيث يتم اقتحام المنازل تحت جنح الظلام، واقتياد الرجال والشباب إلى جهات مجهولة، ليُعثر على جثثهم لاحقًا في ضواحي المدن، وعليها آثار تعذيب وطلقات نارية من مسافات قريبة.

“كتائب الظل” وأتباع الجيش

إن أحد أكثر الجوانب إثارة للقلق في التحقيق هو تسليط الضوء على دور “الأتباع” والمجموعات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش. هؤلاء، الذين يعملون غالبًا خارج إطار القانون العسكري الصارم، يرتدون الزي العسكري ويمارسون “سلطة مطلقة” على حياة المدنيين.

وأشار الخبراء في التحقيق إلى أن الجيش السوداني استعان بمجموعات “مستنفرة” ومتطوعين يفتقرون للتدريب المنضبط، مما حول فوهات البنادق من جبهات القتال الأمامية إلى صدور المدنيين في الأسواق والأحياء السكنية.

هذا التحالف غير المقدس، كما وصفته مصادر منح غطاءً للمجرمين لارتكاب فظائع تحت شعار “حماية الوطن”، مما ينسف هيبة الدولة ومؤسساتها العسكرية.

عندما يصبح الزي أداة للترهيب

ويُظهر التحقيق أن الزي العسكري، الذي كان رمزًا للأمان، أصبح بالنسبة للكثير من السودانيين في مناطق النزاع مصدرًا للرعب، عمليات “القتل الجماعي” التي كشفت عنها CNN لم تكن عشوائية في كثير من الأحيان، بل كانت تحمل صبغة انتقامية وتصفية حسابات تاريخية وعرقية.

وتحدث ناجون عن “قوائم موت” كانت بحوزة بعض القادة الميدانيين، تضم أسماء ناشطين مدنيين، أطباء، ومعلمين، تم استهدافهم بدم بارد، هذه الانتهاكات تضع قيادة الجيش السوداني أمام مسؤولية قانونية وتاريخية كبرى؛ فإما أنها “عاجزة” عن ضبط قواتها، أو أنها “متواطئة” عبر منح الضوء الأخضر لهذه العمليات لإضعاف الحاضنة الشعبية للخصوم.

التداعيات الدولية

وفور نشر التحقيق، بدأت المنظمات الحقوقية الدولية مثل هيومن رايتس ووتش وعفو الدولية في التحرك لمطالبة الجنائية الدولية بفتح تحقيق عاجل.

إن “الجرائم ضد الإنسانية” لا تسقط بالتقادم، وما كشفته CNN يرفع الغطاء عن محاولات تصوير الصراع كحرب بين “شرعية” و”تمرد” فقط، ليظهر أن المدنيين هم الوقود الحقيقي والمستهدف الأول في هذه المحرقة.

كما أن تحقيق CNN يفرض على المجتمع الدولي، وخاصة الدول الداعمة للجيش السوداني، مراجعة مواقفها، فالسكوت عن “المقابر الجماعية” والتصفيات العرقية يجعله شريكًا في الجريمة، ومن المتوقع أن يؤدي هذا التقرير إلى فرض عقوبات جديدة تستهدف قادة ميدانيين أثبت التحقيق تورطهم المباشر في إصدار أوامر القتل.

إن السودان اليوم أمام منعطف تاريخي؛ فإما تطهير المؤسسة العسكرية من “العناصر المنفلتة” وأتباع المصالح الضيقة، أو الانزلاق نحو فوضى شاملة لن ينجو منها أحد.