تدخل الساحة اليمنية مرحلة جديدة من التوتر، مع مؤشرات متزايدة على انتقال ثقل التحركات العسكرية لجماعة الحوثيين باتجاه محافظات الجنوب، وهذا التحول لا يبدو معزولًا أو ظرفيًا، بل يأتي ضمن سياق إعادة تموضع عسكري يعكس رغبة واضحة في فتح جبهات ضغط جديدة، بعد فترات من الهدوء النسبي الذي شهدته بعض خطوط التماس.
الجنوب في مرمى القدرات الصاروخية
المعطيات المتداولة تشير إلى توجيه متعمد للقدرات الصاروخية والطائرات المسيرة نحو العمق الجنوبي، بما يشمل منشآت حيوية ومرافق سيادية.
هذا التوجه يعيد إلى الواجهة سيناريوهات سابقة استهدفت موانئ ومطارات، ويؤشر إلى أن الجنوب بات ينظر إليه كمساحة مفتوحة لتوجيه رسائل عسكرية ذات طابع سياسي وأمني في آن واحد.
توقيت حساس ورسائل متعددة
ويتزامن هذا التحرك مع إطلاق عمليات عسكرية جنوبية تستهدف مراكز نفوذ الحوثيين والتنظيمات المتطرفة في آن واحد، ما يضفي على المشهد بعدًا أكثر تعقيدًا، فالتصعيد الحوثي يأتي كرد غير مباشر على محاولات إعادة ضبط الأمن في مناطق تماس حساسة، ويعكس سعيًا لخلط الأوراق وفرض معادلة ردع جديدة على الأرض.
وشهدت الأيام الأخيرة نشاطًا مكثفًا في عمليات الحشد القبلي والدفع بتعزيزات عسكرية باتجاه الجبهات المتاخمة لمحافظات شبوة وأبين ولحج، وصولًا إلى مناطق الساحل الغربي.
وهذا الحراك لا يقتصر على الأفراد، بل يشمل نقل معدات ثقيلة ومنظومات إطلاق، في خطوة توحي بالتحضير لمواجهة ممتدة لا تقتصر على ضربات محدودة أو عمليات استنزاف قصيرة الأمد.
غرف عمليات وتحضيرات خلف الخطوط
والتصعيد الميداني رافقته تحركات تنظيمية لافتة، تمثلت في إنشاء غرف عمليات متقدمة داخل مناطق بعيدة نسبيًا عن خطوط المواجهة المباشرة، هذه الخطوة تعكس محاولة لإدارة المعركة من العمق، وتوفير بيئة تشغيلية محمية عبر تعزيز التحصينات، وحفر أنفاق، ونقل منصات إطلاق إلى مواقع أكثر تعقيدًا جغرافيًا.
ولا يمكن فصل هذا التصعيد عن البعد السياسي للصراع، إذ يبدو أن الجنوب يستخدم كورقة ضغط لإعادة فرض حضور الحوثيين في أي معادلات قادمة.
استهداف الجنوب لا يهدف فقط إلى تحقيق مكاسب عسكرية، بل يسعى إلى إرباك المشهد الأمني، وتهديد خطوط الملاحة والمنشآت الاقتصادية، ورفع كلفة الاستقرار على القوى المناهضة للجماعة.
احتمالات مفتوحة ومشهد هش
المشهد الحالي ينذر بمرحلة شديدة الحساسية، حيث تتقاطع التحركات العسكرية مع حالة هشاشة أمنية قائمة أصلًا، ومع غياب مؤشرات على تهدئة قريبة، يبقى الجنوب أمام اختبار صعب، قد تتحدد نتائجه وفق قدرة القوى المحلية على احتواء التصعيد، ومنع تحوله إلى موجة عنف واسعة تعيد اليمن إلى مربع المواجهة الشاملة.

