رغم انخراط مليشيات الحوثي في جولة جديدة من المشاورات الخاصة بملف الأسرى والمختطفين في مسقط، يتواصل المشهد على الأرض بصورة مغايرة، تعكس اتساع الفجوة بين الخطاب السياسي والممارسة الأمنية.
بينما ترفع شعارات التهدئة وتبادل المحتجزين، تشهد السجون الخاضعة لسيطرة الجماعة تصعيدًا في وتيرة التنكيل، ومحاولات مكشوفة لتوظيف هذا الملف الإنساني كورقة ضغط ومساومة.
موت تحت التعذيب ورسائل بالدم
حادثة وفاة المواطن أكرم عايض التركي داخل أحد معتقلات الحوثيين في محافظة عمران لم تكن واقعة معزولة، بل جاءت لتسلط الضوء مجددًا على نمط ممنهج من الانتهاكات، فالرجل اختطف لأيام قليلة قبل أن تفارق روحه الحياة، في ظروف تشير إلى تعذيب قاسي، ما يعكس تصعيدًا نوعيًا في أساليب القمع، ورسالة واضحة بأن السجون ما تزال خارج أي التزامات سياسية أو إنسانية.
هذه الحادثة تزامنت مع استمرار مشاورات مسقط، ما يطرح تساؤلات حول جدوى التفاوض في ظل استمرار الانتهاكات، ويكشف عن استراتيجية مزدوجة تعتمدها الجماعة، قوامها التهدئة الشكلية خارجيًا، والتشدد الأمني داخليًا.
محاكمات مسيّسة في قلب صنعاء
في موازاة ذلك، تمضي الجماعة في التحضير لمحاكمات جديدة تطال مختطفين من موظفي منظمات إنسانية ودبلوماسية، في مشهد يعكس استخدام القضاء كأداة سياسية، هذه المحاكمات، التي تتكرر بدفعات متتالية، تقوم على اتهامات فضفاضة، وتدار ضمن منظومة قضائية تفتقر لأبسط معايير العدالة.
إصرار الحوثيين على المضي في هذا المسار، بالتزامن مع المفاوضات، يكشف أن ملف المختطفين لا ينظر إليه كقضية إنسانية، بل كأداة ابتزاز، تستخدم لتحقيق مكاسب سياسية أو أمنية، أو لتوجيه رسائل ضغط إلى المجتمع الدولي.
التجنيد مقابل الحرية
إلى جانب المحاكمات، برزت سياسة أخرى أكثر خطورة، تتمثل في مقايضة السجناء بالانخراط في الجبهات القتالية، فقد جرى الإفراج عن مئات السجناء الجنائيين بعد إخضاعهم للتجنيد القسري، في خطوة تعكس حجم الاستنزاف البشري الذي تعانيه الجماعة، وتحويل السجون إلى مخزون تعبئة عسكرية.
هذا النهج لا يقتصر على كونه انتهاكًا لحقوق المحتجزين، بل يكرس حالة من الفوضى القانونية، ويعيد تدوير العنف داخل المجتمع، عبر الزج بعناصر غير مؤهلة في ساحات القتال، مقابل وعود زائفة بالحرية.
ملف إنساني رهينة الحسابات
في المقابل، تتصاعد الضغوط الحقوقية لكسر الجمود في ملف المختطفين، خصوصًا العاملين في المجال الإنساني، الذين بات احتجازهم يهدد ما تبقى من العمل الإغاثي في البلاد، ويبرز هذا الملف كأحد أكثر القضايا حساسية، في ظل استمرار الإخفاء القسري وغياب أي شفافية حول أوضاع المحتجزين.
تعقيد المشهد يكمن في أن الجماعة تتعامل مع هذا الملف بمنطق الصفقة، لا بمنطق الواجب الإنساني، ما يجعل أي تقدم حقيقي مرهونًا بتغيير جذري في مقاربتها، وهو ما لا تشير الوقائع الحالية إلى قرب حدوثه.

