ذات صلة

جمع

الستار الحديدي.. كيف سترد روسيا على الإجراءات العسكرية الألمانية المفاجئة؟

تشهد العلاقات الروسية–الألمانية واحدة من أكثر مراحلها توترًا منذ...

مستقبل لبنان.. هل يمتلك الفاتيكان أوراق ضغط لإجبار الأطراف على المصالحة؟

تعيش الساحة اللبنانية لحظة سياسية شديدة الحساسية، مع استمرار...

الدرس القاسي.. خطة ترامب لغزة تحولت إلى عبء سياسي بلا تنفيذ عملي

تكشف التطورات الأخيرة أن الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي...

الصندوق الأسود.. كيف يمهد التحرك ضد الإخوان لخارطة سياسية جديدة في تونس؟

تشهد تونس تحوّلات سياسية متسارعة، تفتح الباب أمام مرحلة...

الموجة الجارفة.. هل تُنهي صناديق الاقتراع حكم الأجسام المؤقتة في ليبيا؟

تشهد ليبيا منذ أكثر من عقد حالةً سياسيةً معقدة، تُعدّ الأطول في تاريخ البلاد الحديث، بعدما تولّدت سلسلةٌ من الأجسام السياسية المؤقتة التي أصبحت، بمرور الوقت، جزءًا من الأزمة بدلًا من أن تكون طريقًا لحلّها.

وبينما كان هدف هذه الأجسام هو الانتقال نحو انتخاباتٍ شاملةٍ تُعيد تأسيس الشرعية، فإن الواقع أثبت أن معظمها تحوّل إلى مراكزَ قوى تسعى إلى البقاء، مستفيدةً من الانقسام والصراع وتعدّد المسارات الدولية.

جذور الأزمة

وقالت المصادر إنه منذ 2011، تشكّلت عدةُ أجسامٍ انتقالية، منها: المجلس الوطني الانتقالي، والمؤتمر الوطني العام، ومجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، وحكومة الوفاق، وحكومة الوحدة الوطنية، والحكومات الموازية في الشرق.

وأوضحت المصادر أنه رغم اختلاف الظروف، فإن القاسم المشترك بينها كان غيابَ الانتخابات الشاملة التي تمنح الشرعيةَ النهائية. ومع الوقت، تحولت هذه الأجسام، التي كان يُفترض أن تُهيّئ لبناء دولةٍ مستقرة، إلى كياناتٍ تبحث عن البقاء عبر تحالفاتٍ وامتيازاتٍ وموازناتٍ داخلية.

كما أدى التأثيرُ الخارجي والاصطفافاتُ الإقليميةُ والدوليةُ إلى تعميق الأزمة، ما جعل ليبيا ساحةً لتجاربَ سياسيةٍ متعاقبة، لا يملك الشارعُ فيها سوى القليل من القدرةِ على فرض خياراته.

لماذا ترتفع الأصوات حاليًا للمطالبة بالانتخابات؟

وقالت المصادر إن المطالبة بإجراء الانتخابات ليست جديدة، لكنها اليوم باتت أكثرَ إلحاحًا بسبب إرهاق الشعب الليبي؛ فالليبيون ملّوا حالةَ الانقسام، وتعبوا من تداعياتِ غيابِ الاستقرار الاقتصادي والأمني. فارتفاعُ الأسعار وتراجعُ الخدمات وتذبذبُ الرواتب خلقت حالةَ غضبٍ شعبيةٍ واسعة.

هل الانتخابات قادرة بالفعل على إنهاء حكم الأجسام المؤقتة؟

وأشارت المصادر إلى أنه إذا كانت هناك ضماناتٌ محليةٌ ودوليةٌ لعدم الطعن في النتائج أو تعطيلها أو الدخول في مواجهةٍ مسلحة، فإن الانتخابات ستكون قادرةً على إنتاج سلطةٍ موحّدة. وليس مطلوبًا أن يتفق الجميعُ على كل شيء، لكن المطلوبَ أن يقبلوا بمبدأٍ واحدٍ: من يفوز يحكم، ومن يخسر يعارض.

وترى المصادر أنه بدون هذا الاتفاق، ستظلُّ ليبيا تدور في حلقةٍ مفرغة. والدولُ الكبرى تستطيع أن تدفع الأطرافَ الليبيةَ نحو الانتخابات، وتضغطَ لتأمينها، وتفرضَ عقوباتٍ على من يعرقلها. وإذا توافرت هذه الإرادة، فإن صناديقَ الاقتراع ستكون المدخلَ الوحيد لحلِّ الأزمة.

سيناريوهات محتملةٌ لمستقبل ليبيا

ورجّحت المصادرُ سيناريو إجراء انتخاباتٍ ناجحةٍ تُنهي الفوضى، وفي هذا السيناريو تُجرى الانتخاباتُ خلال عامٍ واحدٍ، وتنتج سلطةً موحّدةً قادرةً على ضبط المؤسسات وإعادة بناء الدولة، وهذا السيناريو مرتبطٌ بقوةٍ بالزخم الشعبي الحالي.

وإذا جرت الانتخاباتُ دون توافقٍ أو ضماناتٍ أمنية، فقد يؤدي ذلك إلى حربٍ جديدة، خصوصًا إذا رفض أحدُ الأطراف النتائج، أو إلى استمرارِ الحالةِ المؤقتة، وهو الأسوأُ، ويعني دخولَ ليبيا في مرحلةٍ انتقاليةٍ جديدةٍ تتواصلُ فيها الحكوماتُ المتوازية ويستمرُّ فيها الانقسام.

يُذكر أن هناك موجةً شعبيةً جارفةً تدفع نحو الانتخابات، وهناك رغبةٌ دوليةٌ في إنهاءِ الانقسام، وتقاطعُ مصالحَ إقليميةٍ قد يساعدُ في حلِّ الأزمة.

لكن في المقابل، هناك أجسامٌ سياسيةٌ اعتادت البقاءَ ولا تريدُ التخليَ عن نفوذها بسهولة. وإذا نجح الليبيون في فرضِ الانتخابات كخيارٍ وطنيٍ لا يمكنُ القفزُ فوقه، فإن صناديقَ الاقتراع قد تكون صدمةَ النهايةِ لمرحلةٍ طويلةٍ من الأجسام والمؤقتة.

أما إذا استطاعت القوى المتضررةُ تعطيلَ المسار، فإن ليبيا قد تبقى عالقةً في الحلقةِ نفسها التي استُنزفت فيها لسنوات. ورغم التعقيدات، تبدو ليبيا اليومَ أقربَ من أي وقتٍ مضى إلى نقطةِ التحوّل؛ فالموجةُ الجارفةُ موجودةٌ، واللحظةُ التاريخيةُ حاضرةٌ، ويبقى القرارُ بيدِ الليبيين: إما بناءُ دولةٍ دائمة، أو إطالةُ عمرِ المؤقتِ إلى أجلٍ لا يعرفُ أحدٌ نهايته.

إما إذا استطاعوا المضيَّ في المسار الانتخابي، فقد يكون ذلك بدايةَ تأسيسِ الدولةِ المستقرة، وإنهاءَ مرحلةِ التجريبِ السياسي، أو على الأقل تقليصَ مساحةِ الصراعِ على الشرعية.

إلا أنه إذا فشل هذا المسار، فستبقى ليبيا في حالةِ الشلل السياسي، وربما تدخلُ منعطفًا أمنيًا جديدًا يزيدُ المشهدَ تعقيدًا.

ورغم أن صناديقَ الاقتراع ليست حلًا سحريًا، فإنها في الحالةِ الليبيةِ قد تكون الخيارَ الأقلَّ ضررًا، والبوابةَ الأخيرة للخروجِ من زمنِ الأجسام المؤقتة، إذا لم تُجهَض.

وإذا لم يستثمر الليبيون هذه اللحظة، فإن الأجسام المؤقتةَ قد تعيدُ إنتاجَ نفسها، لكن هذه المرةَ دون أفقٍ أو جدولٍ زمني، وهو ما يعني عمليًا تمديدَ الأزمةِ بدلَ إنهائها.

يبقى السؤالُ مفتوحًا: هل تنجحُ الموجةُ الجارفةُ في الوصولِ إلى صناديقِ الاقتراع، أم تبتلعُها دوّامةُ الانقسامِ من جديد؟

ختامًا، يمكن القولُ إن ليبيا تقفُ أمام خيارٍ حاسمٍ لا ثالثَ له: إما العبورُ إلى الشرعيةِ الدائمة، أو الغرقُ مجددًا في شرعيةِ المؤقت.

وفي كل الأحوال، فإن الطريقَ إلى الاستقرارِ يبدأُ بخطوةٍ واحدة: اتفاقٌ ليبيٌ على الاحتكامِ لصوتِ الشعبِ دون سلاح.

فإذا وصلت ليبيا إلى صناديقِ الاقتراع، يكون السؤالُ قد تغيّر من: متى تنتهي الأزمة؟ إلى: كيف تُدار الدولة بعد انتهائها؟

وإلى أن يحين ذلك، تبقى ليبيا محكومةً بزمنِ الانتظار: انتظارِ صوتِ الناس أو انتظارِ صوتِ السلاح.

يُذكر أن هناك موجةً شعبيةً جارفةً تدفع نحو الانتخابات، ورغبةً دوليةً في إنهاء الانقسام، وتقاطعَ مصالحَ إقليميةٍ قد يساعدُ في حلِّ الأزمة.

لكن في المقابل، هناك أجسامٌ سياسيةٌ اعتادت البقاء ولا تريدُ التخليَ عن نفوذها بسهولة. وإذا نجح الليبيون في فرضِ الانتخابات كخيارٍ وطنيٍ لا يمكنُ القفزُ فوقه، فإن صناديقَ الاقتراع قد تكون صدمةَ النهايةِ لمرحلةٍ طويلةٍ من الأجسام المؤقتة.

أما إذا استطاعت القوى المتضررةُ تعطيلَ المسار، فقد تبقى ليبيا عالقةً في الحلقةِ نفسها التي استنزفتها لسنوات. ورغم التعقيدات، تبدو ليبيا اليومَ أقربَ من أي وقتٍ مضى إلى نقطةِ التحوّل؛ فالموجةُ الجارفةُ موجودةٌ، واللحظةُ التاريخيةُ حاضرةٌ، ويبقى القرارُ بيدِ الليبيين: إما بناءُ دولةٍ دائمة، أو إطالةُ عمرِ المؤقتِ إلى أجلٍ لا يعرفُ أحدٌ نهايته.