في الوقت الذي تشدد فيه الحكومة اللبنانية على قدرتها على ضبط الأمن، ترى جهات دولية أن الدولة فقدت جزءًا كبيرًا من قدرتها على فرض سيطرتها الحصرية.
وبين هذه الرؤى المتناقضة، تبرز الحاجة إلى قراءة معمقة لمسار الأحداث، واستخلاص الدروس من تجارب دول انهارت فيها مؤسساتها الأمنية تدريجيًا حتى فقدت السيطرة على أراضيها.
لماذا عاد الجدل حول السيادة الأمنية الآن؟
حيث تزايدت التساؤلات حول قدرة الدولة اللبنانية خلال الأشهر الأخيرة لأسباب عدة منها تصاعد التوتر على الحدود مع إسرائيل، وتوسع الاشتباكات إلى مناطق لم تشهدها منذ حرب 2006 وتكرار الاستهدافات الجوية في الجنوب والبقاع من دون قدرة الدولة على الرد أو الردع ووجود تشكيلات مسلّحة غير خاضعة للمؤسسة العسكرية، ما يخلق ازدواجية في القرار الأمني و ضغط دولي غير مسبوق يدعو إلى تعزيز سيطرة الدولة على كامل أراضيها.
دروس من سوريا واليمن
وأكدت المصادر أن لتجارب الإقليمية تُظهر ا أن فشل الدولة في حماية سيادتها الأمنية لا يحدث فجأة، بل يمر بثلاث مراحل واضحة منها ضعف المؤسسات وغياب القرار الموحدو صعود الفاعلين المسلحين من خارج السلطة و التدخل الخارجي وتدويل الصراع، مع غياب احتكار الدولة للقوة، تتحول أراضيها إلى ساحة نفوذ إقليمي ودولي، كما حدث في اليمن الذي أصبح مسرحًا لصراعات متعددة الأطراف، وسوريا التي تعددت فيها الجيوش الأجنبية، كل هذه المؤشرات ترى المصادر أنها تتكرر جزئيًا في لبنان، ما يثير مخاوف حقيقية بشأن مستقبل السيادة الأمنية.
إلى أي مدى تراجعت سيادة الدولة في لبنان؟
وتشير المعطيات الميدانية والسياسية إلى وجود أربعة مظاهر واضحة لتراجع السيادة الأمنية منها ازدواجية القرار العسكري و العجز عن وقف الخروقات الجوية و غياب السيطرة الكاملة على الحدود و تدخلات خارجية في القرار الأمني، حيث تتلقى بعض القوى السياسية والعسكرية في لبنان دعمًا مباشرًا من دول إقليمية، ما يجعل القرار الأمني غير حصري بيد المؤسسات الرسمية.
هل يقترب لبنان من سيناريو الدولة العاجزة؟
وأكدت المصادر أن لبنان لم يصل بعد إلى مرحلة فقدان السيادة الشاملة كما في اليمن أو سوريا، لكنه يتحرك بسرعة نحو منطقة خطرة إذا استمرت الظروف الحالية.
ووفق المصادر، فإن الخطر الحقيقي ليس في الأحداث الميدانية وحدها، بل في تآكل دور الدولة تدريجيًا لصالح قوى موازية تملك تأثيرًا سياسيًا وعسكريًا.
وحذرت من أن تراكم هذه الظواهر قد يصل إلى نقطة يصبح فيها الجيش مجرد طرف من أطراف متعددة، وليس المرجعية الأمنية الوحيدة.
واختتمت المصادر أن لبنان اليوم يقف عند مفترق طرق خطير، فمع استمرار الانقسام السياسي، وازدواجية السلاح، وتنامي المخاطر الإقليمية، يزداد القلق من أن يصبح لبنان دولة عاجزة على غرار دول عاشت انهيارًا تدريجيًا لمؤسساتها الأمنية.

