تشهد الأزمة الإنسانية في اليمن تصعيدًا خطيرًا في ظل تراجع التمويلات الأممية والدولية بشكل حاد، ما يهدد بانهيار عمليات الإغاثة، وفقًا لتحذيرات أطلقتها منظمات دولية، تصف عام 2025 بأنه الأصعب على الإطلاق منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عقد.
ورغم إعلان الأمم المتحدة هدنة منذ أكثر من ثلاث سنوات، فإن الظروف المعيشية في اليمن لم تشهد أي تحسن ملموس، في حين زاد الوضع سوءًا مع تداعيات أزمة البحر الأحمر وتصاعد التوترات بين الحوثيين من جهة، والغرب وإسرائيل من جهة أخرى، ما ألقى بظلال قاتمة على الاقتصاد المحلي الهش.
العقوبات الأميركية تشل العمليات الإغاثية في مناطق سيطرة الحوثيين
وبحسب برنامج الغذاء العالمي، فإن العقوبات الأميركية المفروضة على بعض البنوك المحلية المرتبطة بالجماعة الحوثية، تسببت في شلل واسع بعمليات الدفع النقدي لشركاء الإغاثة داخل اليمن.
كما أعلن البرنامج الأممي وقف دعمه لعلاج حالات سوء التغذية متوسطة الحِدة في مناطق سيطرة الحوثيين، بسبب نفاد التمويل، واستنفاد الإمدادات، والانقطاع الكامل في الشحن.
وتشير بيانات الأمم المتحدة، أن أكثر من 100 منظمة إغاثية طالبت بإجراءات عاجلة لإنقاذ ملايين اليمنيين من كارثة إنسانية وشيكة.
مجاعة تلوح في الأفق وأزمة سوء التغذية تتصاعد
وفي ظل هذا التدهور، حذرت تقارير أممية من أن اليمن بات على حافة مجاعة واسعة النطاق، وقد أكدت المنظمة الدولية أن أكثر من 20 مليون يمني يواجهون صعوبات شديدة في تأمين الغذاء، وأن أكثر من 5 ملايين شخص فقدوا مساعداتهم منذ بداية العام الحالي، بعد توقف ما يقارب 75% من التمويلات الإنسانية.
وحذّر خبراء من أن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى كارثة غذائية خلال أشهر، مع تراجع المساعدات من نحو 3.5 مليار دولار عام 2019 إلى أقل من 700 مليون دولار حاليًا.
فشل في إدارة الإغاثة وتوزيع غير عادل للمساعدات
كما أشار جمال بلفقيه، المنسق العام للجنة اليمنية العليا للإغاثة، إلى أن غياب التقييم والمتابعة الفعالة لبرامج الإغاثة ساهم في ضعف كفاءة العمليات الإنسانية.
وقال: إن غالبية المساعدات الإنسانية تتركز في مناطق يسهل الوصول إليها، بينما تُحرم المناطق النائية التي تعاني أوضاعًا إنسانية كارثية من هذه الإمدادات، ما يفاقم التفاوت في الاستجابة.
فجوة تمويلية تهدد بوقف برامج حيوية
ومن ناحيته، أرجع رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، هذا التراجع إلى الحرب في أوكرانيا، وأزمات السودان وغزة، وتغيّر أولويات المانحين، إضافة إلى انسحاب الولايات المتحدة من تمويل أكثر من نصف العمليات الإنسانية في اليمن.
وبحسب الأمم المتحدة، لم يتم جمع سوى 9.5 ملايين دولار فقط من أصل 2.47 مليار مطلوبة هذا العام، وهو تراجع كارثي مقارنة بالعام الماضي، ويُتوقع توقف مشاريع مثل برامج الدعم النقدي، والحماية الاجتماعية، ومبادرات “النقد مقابل العمل”، مما يدفع البلاد إلى أزمة تضخم وركود متفاقمة.
كما أوضح إبراهيم الحداد، مسؤول التحليل في مكتب أوتشا، أن ثمة توجها لإعادة هيكلة العمل الإنساني في اليمن، من خلال تقليص النفقات، ودمج القطاعات، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص والمؤسسات المحلية الأكثر قدرة على تلبية الاحتياجات، خصوصًا في المناطق المهمشة والنائية.
اليمن بين عجز التمويل وسوء التوزيع
وبعد أكثر من عقد على اندلاع الحرب، ما يزال اليمن غارقًا في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، في ظل تراجع التمويل، وغياب التخطيط، واستمرار التجاذبات السياسية، ومع تزايد خطر المجاعة، يصبح إنقاذ الملايين مرهونًا بتدخل دولي فوري يعيد التمويل ويضمن توزيعًا عادلًا للمساعدات.
لذا فتجاهل الأزمة اليمنية في هذا التوقيت الحرج لن يؤدي فقط إلى كارثة إنسانية داخل الحدود، بل قد تمتد تداعياتها إقليميًا في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في البحر الأحمر والقرن الأفريقي.