كشفت دراسة أوروبية حديثة عن تعاظم دور ليبيا كبؤرة رئيسية لتهريب البشر والأسلحة والمخدرات في منطقة البحر المتوسط، مشيرة إلى تورط جهات محلية ودولية في هذه الشبكات، على رأسها روسيا التي تسعى إلى تثبيت موطئ قدم استراتيجي في البلاد بعد خسارة محتملة لنفوذها في سوريا.
وبحسب الدراسة التي أعدّها الباحث الليبي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، طارق المجريسي، ونُشرت تفاصيلها في عدد من المنصات الدولية من بينها DW الألمانية ومركز صوفان للأبحاث بنيويورك، فإن روسيا كثّفت عمليات نقل العتاد والمرتزقة من سوريا إلى ليبيا منذ ديسمبر 2024، عقب سقوط نظام بشار الأسد؛ مما يشير إلى إعادة تموضع استراتيجي ضمن مشروع أوسع للنفوذ الإقليمي.
دور روسي متزايد بعد سقوط الأسد
وتفيد التقارير أن موسكو، في ظل حالة عدم اليقين بشأن مستقبل قواعدها العسكرية في طرطوس وحميميم، بدأت في تعزيز وجودها بشرق ليبيا عبر دعم قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، والسفن الروسية التي رست مرارًا في قاعدة طبرق، فيما تولى “فيلق أفريقيا” – الوريث الجديد لمجموعة فاغنر – إدارة العمليات العسكرية واللوجستية الروسية.
ويؤكد المجريسي، أن روسيا لا تسعى فقط لتأمين حضور عسكري في المتوسط، بل تطمح لاستغلال الموارد الطبيعية الليبية، خاصة النفط، ولإعادة تصدير الأسلحة إلى حلفاء غير غربيين في دول الجوار، كما تستخدم موسكو ملف الهجرة غير النظامية كورقة ضغط جيوسياسية ضد أوروبا، تكرارًا لتكتيكاتها في بيلاروسيا عام 2021.
لذا تزداد بالنسبة لروسيا أهمية دولة أخرى تقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ذات الأغلبية العربية: ليبيا، ويلاحظ خبراء أمنيون زيادة الرحلات الجوية من سوريا إلى ليبيا منذ كانون الأول/ديسمبر 2024، أي منذ الشهر الذي تم فيه إسقاط نظام الأسد.
وفي هذا الصدد تحدث مركز صوفان للأبحاث والتحليلات في نيويورك – في تقرير له صدر في آذار/مارس من هذا العام- عن سفن روسية رست عدة مرات في قاعدة طبرق البحرية، التي تقع في شرق ليبيا وتخضع لسيطرة قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر.
شبكات تهريب متكاملة يقودها صدام حفتر
كما تسلط الدراسة الأوروبية الضوء على الدور المحوري للجنرال صدام حفتر، نجل خليفة حفتر، والذي أنشأ شبكة تهريب منظمة، مستغلاً ميليشياته المعروفة بـ”لواء طارق بن زياد”، وقد صدرت بحقه مذكرة اعتقال من إسبانيا عام 2024 بتهم تتعلق بتهريب السلاح. وبحسب المجريسي، تدير هذه الشبكة عمليات تهريب البشر بطرق معقدة مقابل مبالغ طائلة تصل أحيانًا إلى 9 آلاف دولار للفرد.
وتوضح الدراسة، أن المهاجرين يُحتجزون فور وصولهم شرق ليبيا من قبل ميليشيات مسلحة، ثم يُجبرون على دفع رسوم للإفراج عنهم، قبل نقلهم عبر البحر نحو السواحل الإيطالية.
وتشير التقديرات إلى تقاضي القوات التابعة لصدام حفتر نحو 100 دولار عن كل مهاجر يُسمح له بالإبحار.
الهجرة كسلاح.. وموسكو على الخط
وتؤكد الدراسة أن روسيا تستخدم الهجرة كسلاح للابتزاز السياسي ضد الاتحاد الأوروبي، تمامًا كما فعلت من قبل عبر الرحلات الجوية من دمشق إلى مينسك، التي أرسلت مهاجرين إلى الحدود الأوروبية، وتضيف أن موسكو تنسق الآن مع صدام حفتر لتكرار هذه التكتيكات، خاصة بعد أن تحولت ليبيا إلى مركز أساسي لحركة المهاجرين.
كما تسعى موسكو في ليبيا الممزقة من الحرب الأهلية الطويلة إلى عدة مصالح، بحسب الدراسة؛ إلى أن يكون لها وجود عسكري على البحر الأبيض المتوسط، كما كانت حتى الآن في سوريا، وهي مهتمة أيضًا باستغلال الموارد الطبيعية هناك، وخاصة بموارد الطاقة.
وتحاول في الوقت نفسه وتحت ضغط العقوبات الغربية إيجاد مشترين لصادراتها، وليبيا تعتبر عدا ذلك مركزًا مهمًا لتصدير الأسلحة الروسية، ومثلًا لقد صدرت روسيا أسلحة مدفعية إلى ما يعرف باسم الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، كما كتب خبراء الأمن في مركز صوفان بنيويورك، أو يمكنها “تصديرها إلى قوى معادية للغرب في البلدان المجاورة”، بيد أنَّ روسيا مهتمة أيضًا بالتأثير على الهجرة إلى أوروبا عبر ليبيا – والتي تخدم موسكو كوسيلة للضغط على الاتحاد الأوروبي.
توصيات أوروبية: المسارات الآمنة أولاً
وحذرت الدراسة من اتساع نفوذ روسيا وشبكات التهريب في حال لم تتحرك أوروبا سريعًا، وتقترح أن تقوم الدول الأوروبية بفتح مسارات هجرة شرعية وآمنة وتكثيف الرقابة على الحدود، بما يُضعف من قدرة الشبكات الإجرامية على تحقيق الأرباح.