تمر حركة النهضة التونسية، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان الإرهابية، بمرحلة غير مسبوقة من التآكل الداخلي والضغط الخارجي، جعلت مستقبلها السياسي على المحك.
ومنذ تراجع نفوذها الشعبي وسقوط قياداتها في ملفات قضائية متتالية، تعيش الحركة حالة من الارتباك، تتجلى في التخبط في المواقف، وفقدان القدرة على إعادة إنتاج خطاب سياسي يقنع القاعدة المجتمعية التي كانت تعتمد عليها لعقود.
هذا الوضع الحرج لم يكن نتاج ضغوط الدولة فحسب، بل نتيجة تراكمات داخلية، أبرزها: انهيار الثقة بين الحركة وقواعدها، وتزايد القناعة العامة بأن النهضة لم تعد تمثل تيارًا إصلاحيًا بقدر ما أصبحت عبئًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا على البلاد.
الخناق القانوني يضيق حول رقبة القيادات
الملفات القضائية المرفوعة ضد قيادات الحركة لا تتوقف، وكان آخرها قضية “أمن الدولة 2″، التي تتضمن اتهامات خطيرة تتعلق بتلقي تمويلات مشبوهة من الخارج والتآمر على النظام الجمهوري.
هذه القضايا لم تعد مجرد معارك قانونية، بل تحولت إلى محاكمات سياسية تطال شرعية الحركة ومشروعية بقائها في المشهد السياسي.
وبينما تشدد القوانين التونسية على حظر التمويلات الخارجية للأحزاب، تشير التحقيقات إلى تورط النهضة في تجاوزات مالية تعود إلى فترات حكمها، خاصة خلال قيادة راشد الغنوشي، ما يعزز من فرضية تلقي الحركة دعمًا منظمًا من جهات خارجية، بهدف التأثير في القرار السيادي التونسي.
خطاب مزدوج.. بين الدعوة والسياسة
واحدة من أكبر التناقضات التي تواجه النهضة، هي الاستمرار في تبني خطاب مزدوج يجمع بين العمل الدعوي والسياسي، رغم الانتقادات المستمرة لذلك.
ومنذ تأسيسها، حاولت الحركة تقديم نفسها كجسم سياسي ديمقراطي، لكنها في الوقت ذاته لم تتخل عن أدواتها الدينية في تعبئة الشارع والتأثير عليه، ما جعلها عرضة للاتهام باستغلال الدين لأغراض حزبية.
هذا التناقض أدى إلى تآكل صورتها داخل المجتمع، وأضعف قدرتها على التكيف مع التحولات السياسية بعد الثورة.
وفي ظل بيئة سياسية تتجه أكثر نحو الفصل بين الدين والدولة، تبدو النهضة كجسم غريب يصعب عليه الانسجام مع المرحلة الجديدة.
تحالفات مشبوهة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
وسط هذه الأزمة، تسعى النهضة لإعادة التموضع عبر بوابة التحالفات الخارجية، سواء مع أطراف إقليمية تتقاطع مصالحها مع المشروع الإخواني، أو من خلال قوى سياسية داخل تونس تتبنى خطاباً تصالحياً معها.
من أبرز هذه التحالفات، التعاون مع حركة “18 أكتوبر” التي يقودها الرئيس الأسبق منصف المرزوقي، المعروف بمواقفه المتعاطفة مع النهضة.
لكن هذه التحالفات، وإن بدت حلاً مؤقتًا لتخفيف العزلة السياسية، إلا أنها لا تبدو كافية لإنقاذ التنظيم من أزمته البنيوية.
المزاج الشعبي التونسي تغير، ولم تعد التحالفات كافية لإعادة تدوير الوجوه القديمة أو إنعاش مشروع فقد بريقه وسقط في فخ الانكشاف.
النهاية السياسية تقترب.. ولكن بشروط
أمام هذه المعطيات، يبدو أن حركة النهضة تقف أمام مفترق طرق حاسم، فإما أن تدخل في مراجعات حقيقية تنهي ارتباطها بالتنظيم الدولي للإخوان وتعيد تعريف دورها داخل الدولة، أو تستمر في مسار المواجهة الذي يقودها إلى مزيد من العزلة وربما الإقصاء الكامل من الحياة السياسية.
ورغم أن سيناريو الانهيار ما يزال غير محسوم، إلا أن المؤشرات الحالية ترجح أن الحركة، كما عرفها التونسيون لعقود، تقترب من نهايتها، إلا إذا تدخلت قوى خارجية بقوة لإعادة إنعاشها، وهو تدخل أصبح مكشوفًا ومعرّضًا للرفض الشعبي والسياسي المتصاعد.