ذات صلة

جمع

هل يسعى الحوثي لتكرار نموذج حزب الله في اليمن؟

مع استمرار الحرب في اليمن منذ أكثر من تسع...

البرهان.. الرجل الذي يطيل أمد الحرب

بات عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد...

بين إيران وروسيا وسوريا ولبنان.. كيف غيرت العقوبات الدولية ملامح الاقتصاد والسياسة؟

لعقود، شكّلت العقوبات الاقتصادية أحد أبرز أدوات السياسة الخارجية...

“الإخوان”.. من “مشروع النهضة” إلى لحظة الانكشاف الكامل

من مصر إلى ليبيا، ومن تونس إلى السودان، خاضت...

تحركات النهضة في ظل الأزمة الاقتصادية.. محاولة لإعادة التموضع السياسي

في ظل الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تمر بها تونس،...

اقتصاد الظل.. كيف يوظف حزب الله المال لترسيخ نفوذه داخليًا وخارجيًا؟

في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان، تبرز ظاهرة “اقتصاد الظل” كأداة رئيسية يستخدمها حزب الله لتعزيز نفوذه الداخلي والخارجي، من خلال شبكة معقدة من الأنشطة المالية غير المشروعة، تمكن الحزب من بناء إمبراطورية اقتصادية تساعده على تمويل عملياته العسكرية والسياسية، وتوسيع دائرة تأثيره في المنطقة.

شبكة مالية معقدة

يعتمد حزب الله على مجموعة متنوعة من الأنشطة الاقتصادية السرية وغير القانونية لتمويل عملياته. تشمل هذه الأنشطة غسيل الأموال، وتهريب السلع، وتجارة المخدرات، وتهريب النفط، بالإضافة إلى الاستثمارات العقارية والشركات الوهمية.

وتشير تقارير استخباراتية، أن الحزب يمتلك شبكة عالمية من الأعمال التجارية التي تسهل تدفق الأموال من وإلى لبنان.

وقد تم رصد عمليات تهريب كبيرة للمخدرات، خاصة الكبتاغون، الذي يتم تصنيعه في لبنان وتهريبه إلى دول الخليج وأوروبا. وتقدر أرباح هذه العمليات بمئات الملايين من الدولارات سنويًا؛ مما يوفر للحزب مصدر تمويل ضخمًا.

بالإضافة إلى اقتصاد الظل، تمكن حزب الله من التغلغل في الاقتصاد الرسمي اللبناني من خلال شبكة من الشركات والمؤسسات التي يسيطر عليها بشكل مباشر أو غير مباشر.

وتشمل هذه الشبكة قطاعات مثل البناء، السياحة، الاتصالات، والخدمات المالية. ويتم استخدام هذه الشركات لغسيل الأموال وتوفير غطاء قانوني للأنشطة غير المشروعة.

كما يسيطر الحزب على العديد من المؤسسات الخيرية والاجتماعية، التي تستخدم لجذب الدعم الشعبي وتوفير خدمات بديلة عن الدولة، مما يعزز ولاء المواطنين له.

شبكات التمويل الخارجي

كما يعتمد حزب الله أيضاً على التمويل الخارجي، خاصة من إيران، التي تعتبر الداعم الرئيسي للحزب منذ تأسيسه. وتقدر التقارير أن إيران تقدم للحزب مئات الملايين من الدولارات سنوياً، بالإضافة إلى الدعم العسكري واللوجستي. ويتم تحويل هذه الأموال عبر قنوات سرية، بما في ذلك البنوك والشركات الوهمية، لتجنب العقوبات الدولية.

لذا تمكن حزب الله، من خلال سيطرته على اقتصاد الظل والاقتصاد الرسمي، من تعزيز نفوذه السياسي في لبنان. فبالإضافة إلى قوته العسكرية، يمتلك الحزب تأثيراً كبيراً على القرارات السياسية والاقتصادية، مما يجعله لاعباً رئيسياً في المشهد اللبناني.

وعلى الصعيد الخارجي، يستخدم الحزب أمواله لتمويل العمليات العسكرية في سوريا والعراق واليمن، ودعم الجماعات المسلحة الموالية لإيران في المنطقة. كما يتم استخدام الأموال لشراء الولاءات وتوسيع شبكة التحالفات الإقليمية.

أسوأ هزيمة على الإطلاق

‏كما كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” – في تحقيق موسع لها-، أن حزب الله، الذي كان لفترة طويلة أقوى قوة سياسية وعسكرية في لبنان، يعاني الآن من أسوأ هزيمة له على الإطلاق.

ففي أكثر من عام من الصراع قبل وقف إطلاق النار في نوفمبر، لم تقتل إسرائيل الآلاف من المقاتلين وتهلك قياداته العليا فحسب، بل تسببت أيضاً في دمار هائل في المجتمعات ذات الأغلبية الشيعية التي يستمد حزب الله الدعم منها. ولقد وجه سقوط حليفه بشار الأسد في سوريا المجاورة ضربة أخرى، حيث قطع سلاسل الإمداد الحيوية بين حزب الله وراعيته إيران.

‏ومع تعرض المجموعة الآن للضغوط، فإن الحفاظ على إيمان الناخبين مثل أم حسن أمر حيوي لمستقبلها. وتشكل شبكة حزب الله المترامية الأطراف من منظمات الرعاية الاجتماعية بما في ذلك المدارس والمستشفيات وذراعها الإنشائية جهاد البناء، والتي نشرت مئات المهندسين لمسح المنازل المتضررة والبدء في إصلاح قلبها، عنصراً أساسياً في هذا الجهد.

‏وتحدثت صحيفة ” فايننشال تايمز” مع أكثر من 20 شخصًا حول كيفية تعزيز حزب الله لقاعدته، بما في ذلك المسؤولون المحليون والسكان الذين يستفيدون من نظام الرعاية الاجتماعية للجماعة والأشخاص الذين لديهم معرفة بتفكير الحزب.

‏وبعد حربه الأخيرة مع إسرائيل في عام 2006، عزز حزب الله الدعم من خلال الوفاء بتعهد زعيمه حسن نصر الله بإعادة البناء “بشكل أفضل من ذي قبل”. وبتمويل من إيران ومؤسساته التجارية الخاصة ومدفوعات التعويضات الحكومية، لعبت المؤسسات المرتبطة بالحزب دورًا بارزًا في إعادة الإعمار.

‏لكن المنظمة تواجه اليوم دمارًا أكبر بكثير وهي بدون نصر الله، الذي قتلته إسرائيل العام الماضي. وبلغ هجوم إسرائيل، الذي بدأ بعد أن بدأ حزب الله في إطلاق الصواريخ عبر الحدود في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، ذروته بغزو في أكتوبر 2024. قُتل أكثر من 4000 شخص في لبنان وما لا يقل عن 140 من إسرائيل.

‏ومع ذلك، فإن نظام الإصلاح بعد الحرب يعمل بكامل طاقته. وفي الجنوب المدمر، يتم تعيين لجنة تضم نحو عشرة مهندسين لكل أربع أو خمس قرى، بحسب مسؤول محلي. وقد قامت هذه اللجان بتفتيش أكثر من 270 ألف منزل حتى أواخر يناير، بحسب جهاد البناء.

‏وبعد مراجعة التقييمات من قبل مقر جهاد البناء في بيروت، يُطلب من السكان استلام شيكات التعويض الخاصة بهم وصرفها في فرعهم المحلي لمؤسسة القرض الحسن التابعة لحزب الله، والتي تعرضت أكثر من 30 فرعًا منها لضربات إسرائيلية.

الاستثمار في النفوذ عبر التعويضات المليونية


‏ووفقًا لصحيفة الأخبار المؤيدة لحزب الله، وزع الحزب تعويضات بقيمة 400 مليون دولار على ما يقرب من 140 ألف شخص.

يتلقى الأشخاص الذين فقدوا منازلهم بالكامل ما بين 12 ألف دولار إلى 14 ألف دولار، والمقصود منها تغطية عام من الإيجار في مكان آخر والأثاث المدمر.

‏لكن دفاع المسؤول جاء في وقت شعر فيه البعض في لبنان بالاستياء من هذه العملية. وفي معاقل حزب الله في وادي البقاع وجنوب لبنان والضواحي الجنوبية لبيروت، وصف كل من المؤيدين وغير المؤيدين ما اعتبروه ممارسات بخيلة أو بطيئة في تقييم الأضرار وتعويض المتضررين.

‏لذا ربط كثيرون ما اعتبروه مدفوعات حزب الله البخيلة بواقعه الجيوسياسي الجديد، حيث جفت خزائنه في أعقاب الهجوم الإسرائيلي وسقوط الأسد الذي قطع طرق الإمداد السورية التي تربطه بمحور المقاومة الإيراني، الذي كان حزب الله نجمه ذات يوم.

‏ووصف آخرون كيف وضع حزب الله عقبات بيروقراطية، مثل مطالبة بإيصالات أو تسجيلات المركبات، والتي اعتقد السكان أنها مصممة لتستغرق وقتًا طويلا لدرجة أنهم سيستسلمون. قال أحد الرجال: إنه رفض شيكًا بقيمة 905 دولارات، وهو تقدير أقل من الحقيقة بشكل مهين.

‏وقال حزب الله لصحيفة “فايننشال تايمز”: إن “فرقهم تعمل ليل نهار”. وقالت المجموعة: “عندما يجد الناس أن هناك مشكلة في مبلغ التعويض، فإنهم يعترضون ويتم النظر في اعتراضهم إذا كان مبررًا”. “سيحصل الجميع على ما يستحقونه”.

‏ولكن سكان الجنوب قالوا: إن بيروقراطية حزب الله كانت أكثر انتباهًا من بيروقراطية الدولة. وأشاروا إلى الرعاية الطبية المجانية التي تقدمها منظمات حزب الله الصحية والمساعدات التي وزعت على النازحين طوال الحرب.

‏لكن كثيرين يقولون: إن حزب الله وإيران الراعية له يفتقران إلى الوسائل اللازمة لقيادة إعادة الإعمار هذه المرة، نظراً لحجم المهمة. فقد تسببت الحرب في أضرار مادية لا تقل عن 3.4 مليار دولار، وفقاً للبنك الدولي.

وحتى زعيم حزب الله نعيم قاسم أكد على مسؤولية الدولة، قائلاً في ديسمبر/كانون الأول: “في الأساس، ستكون عملية الترميم وإعادة الإعمار من مسؤولية الحكومة وسنكون إلى جانبها”.

‏كما تلقى حزب الله ضربة سياسية الشهر الماضي باختيار رئيس ورئيس وزراء يُنظَر إليهما على أنهما ملتزمان بتقليص نفوذه في لبنان. ومن الممكن أن تساعد ترشيحاتهما، التي أيدها الغرب ودول الخليج العربية، في تسهيل التمويل الدولي لإعادة الإعمار، والذي يتوقع المحللون أن يتم تحويله بعيداً عن حزب الله.‏

مستقبل غامض

وفي مواجهة هذه الأنشطة، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات شديدة على حزب الله وقادته، مستهدفة شبكته المالية ومصادر تمويله. وتشمل هذه العقوبات تجميد الأصول وحظر التعامل مع كيانات وأفراد مرتبطين بالحزب.

ومع ذلك، تمكن حزب الله من التكيف مع هذه العقوبات من خلال الاعتماد على شبكة معقدة من الوساطة المالية والتحويلات غير الرسمية، مما يجعل من الصعب تعقب أمواله بشكل كامل.

لذا في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية في لبنان، يبدو أن حزب الله سيستمر في الاعتماد على اقتصاد الظل لتمويل عملياته وتعزيز نفوذه. ومع تزايد الضغوط الدولية، قد يواجه الحزب تحديات أكبر في إدارة شبكته المالية، لكنه يبقى لاعبًا قويًا في لبنان والمنطقة.

spot_img