طرف دولي جديد ظهر بصورة كبيرة مؤخرًا في محاولة لحل أزمة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المشتعل منذ أكتوبر الماضي، وهو الصين، حيث لطالما عبرت عن دعمها للقضية الفلسطينية وحل الدولتين لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وسبق أن دعا الرئيس الصيني شي جينبينغ، إلى عقد “مؤتمر دولي للسلام” بهدف حل النزاع، حيث لم تكن الدبلوماسية الصينية بعيدةً عما يحدث في قطاع غزة، فقد استضافت بكين في نوفمبر الماضي وفداً من دول عربية وإسلامية لمناقشة الوضع في القطاع، ومحاولة التأثير على دول غربية للتحرك باتجاه السعي لوقف إطلاق النار والعمليات العسكرية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، كما استضافت بكين في أواخر أبريل الماضي وفدًا من حركة حماس ووفدًا من حركة فتح لمناقشة جهود المصالحة الداخلية.
وهو ما يطرح بقوة سؤالا عن أسباب حرص الصين على لعب دور الوسيط في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟! حيث يظهر أنّ لدى بكين مصالح مع كلٍ من طرفيّ الصراع، فمن جهة لطالما أكدت الصين دعمها لحل الدولتين، كما أنّها قدمت في الماضي وتحديدًا في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم السلاح لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن من جهة أخرى تربطها اليوم بإسرائيل علاقة اقتصادية مميزة، إذ تعد الصين ثاني أكبر شريك تجاري لها.
كما تعد الصين ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، كما أنها صاحبة ثالث أقوى جيشٍ في العالم، وقد كان لها العديد من المبادرات التي تؤهلها لتكون لاعباً أساسياً وشريكاً في قيادة العالم.
ورغم ذلك فإن العلاقة المتقدمة بين إسرائيل والولايات المتحدة تفرض واقعاً يجعل الصين غير قادرة على الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين بشكل منفرد، حيث قال البروفيسور كيري براون، أستاذ الدراسات الصينية في جامعة كينغز كوليدج لندن، ومدير معهد لاو تشاينا: “لا أعتقد أنّ الصين تسعى لأن تكون الوسيط الوحيد، لكن مما لا شك فيه أنّها ترى نفسها قادرة على أن تكون جزءاً من جهدٍ متعدد الأطراف، فهي تريد الاستقرار في الشرق الأوسط عموماً لحماية مصالحها الاقتصادية والموارد التي تحصل عليها من المنطقة”.
وأضاف براون: “لقد تمكنت الصين من أن تبني علاقات صداقة مع جميع الشركاء الرئيسيين في الشرق الأوسط، وذلك من خلال حقيقةٍ بسيطةٍ، وهي أنها ليست الولايات المتحدة، ولكن سيكون من الصعب الحفاظ على هذا النوع من التوازن في المستقبل، لسببٍ بسيط وهو أنّ العديد من المطالب سوف يفرضها لاعبون مختلفون على الصين مع ازدياد نفوذها واعترافهم بتعاظم ذلك النفوذ، وبشكلٍ طبيعي، مع تضاؤل الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة تدريجياً”.
وأكد أنّ بكين وفي إطار سعيها لتعزيز هذا النفوذ ستظل تسعى للعب أدوار الوسيط لإحلال الاستقرار بشكل خاص في الشرق الأوسط، لما لها من وجود اقتصادي قوي في كثير من دول المنطقة مثل مصر والسعودية وإيران وغيرها.
وقال جوناثان فولتون، زميل كبير غير مقيم في المجلس الأطلسي، لصحيفة “ذا جارديان” البريطانية: إن القنوات الرسمية الصينية انتقدت أولئك الذين يشككون في أوراق اعتمادها كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أنها لعبت، خلال خمسة أيام من المحادثات السرية في مارس من العام الماضي، دور الوساطة في المصالحة المفاجئة بين السعودية وإيران، مؤكدًا أن الاتفاق قلب الفكرة الثنائية التقليدية في الخليج، التي تتمثل في أن “الولايات المتحدة تتولى الأمن والصين تتولى الاقتصاد”، رأسًا على عقب.
كما رأى شين يي، الأستاذ في جامعة “فودان” الصينية، أن المنطقة بحاجة إلى التغيير من الدور السلبي الذي تلعبه الولايات المتحدة، وبدلاً من حل المشكلة، عادة ما تساهم الولايات المتحدة في خلق أزمة، ثم تصوغ سياسة تعتمد على مصالحها واحتياجاتها الخاصة، متخذة حياة ورفاهية الناس في الشرق الأوسط أداة لترسيخ هيمنتها، حسبما ذكرت صحيفة “جلوبال تايمز” الصينية.
وأضاف “يي”: “جميع الأطراف في الشرق الأوسط تعرف النوايا الأمريكية جيدًا، ولكن لم يكن أمامها خيارات أخرى من قبل.. والآن، وبوساطة الصين، من الطبيعي أن يختاروا اقتراح السلام”.
فيما قال جون ألترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو يقدم أدلة أمام الكونجرس الأمريكي الشهر الماضي، إن الصين مستعدة للبقاء في الشرق الأوسط، مضيفًا أنها كانت مستوردًا صافيًا للنفط منذ عام 1993 ويأتي نصفها تقريبًا من الشرق الأوسط، ما يعني أنها أصبحت تعتمد على منطقة لا تزال الولايات المتحدة تهيمن عليها.
وعلى الرغم من أن البعض اعتبر التدخل الصيني النادر نسبيًا بمثابة محاولة لاغتصاب الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في تأمين السلام بين إسرائيل وفلسطين، فإن الصين ترى أن تصرفاتها امتداد طبيعي للدور الذي لعبته العام الماضي في إنهاء النزاع الدبلوماسي الذي دام 9 سنوات بين السعودية وإيران، حسبما ذكرت صحيفة “ذا جارديان” البريطانية.
وإذا نجحت الصين في هذه المهمَّة، التي يبدو أنَّها صعبة، تكون قد نجحت في ترسيخ نفسها كقوَّة دبلوماسية عالمية ذات وزن ثقيل في الشرق الأوسط؛ وبالتالي فرضت نفسها كوسيط وضامِن مؤثِّر لحلِّ الخلافات على مستوى العالم، خاصَّةً في أعقاب وساطتها الناجحة السابقة.