أزمات طاحنة بين أفراد تنظيم الإخوان، يقودها قيادات الجماعة المتنازعة على السلطة والثروة، لتشتد الخلافات بصورة لا مثيل لها، ما ينذر بقرب انهيار التنظيم الدولي تماما، وتخلص العالم منه، بعد محاولات للصعود إلى السلطة منذ ما يقرب من قرن باءت بالفشل بعد أن لفظتهم شعوب المنطقة العربية.
وتبادلت قيادات الإخوان في تركيا، خلال الأيام الماضية، قرارات بالفصل، حيث أعلن إبراهيم منير، نائب المرشد العام للإخوان والقائم بأعماله، فصل قيادات عليا بالجماعة سبق أن أعلن إحالتها للتحقيق وآخرين لم يسمهم، زاعماً أنهم “أقدموا على قرارات لشق الصف وإحداث بلبلة”.
ويوم الأحد الماضي، أصدر منير، قراراً بإيقاف 6 من أعضاء شورى الجماعة (أعلى هيئة رقابية)، وإحالتهم للتحقيق، وأبرزهم محمود حسين، ومدحت الحداد، وهمام يوسف، وجميعهم خارج مصر.
وأرجع تلك القرارات، التي لم يوضحها علنا، والتي اتخذتها تلك القيادات، إلى أنها “باطلة لمخالفتها اللائحة ولخروجها من غير ذي صفة”، وأن من ساهم فيها “أخرج نفسه من الجماعة”.
وجاء ذلك في بيان يتضمن موافقة 84 بالمئة من أعضاء مجلس الشورى العام، على عزل منير، فيما وافق 78 بالمئة من الأعضاء على إلغاء هيئة كان يترأسها، كبديل عن مكتب الإرشاد المعطل منذ نهاية العام الماضي.
بينما نشر موقع الجماعة “إخوان أون لاين” بأن القرارات جاءت خلال عقد مجلس الشورى اجتماعا هذا الشهر، بانعقاد صحيح وبنصاب قانوني، داعيا إلى الالتزام بها، ومؤكدا أنها “معبرة عن الجماعة”.
المثير للجدل هو أن منير لم يعقب على ذلك البيان، فيما أن مقربين منه يقولون إن “الموقع يديره مؤيدون للمجموعة الموقوفة، والبيان ليس صحيحا ولا يعتد به”، وفي الوقت نفسه ينفيه آخرون من المقربين.
وكشفت مصادر أن الصراع بين قيادات التنظيم وصل لصورة غير مسبوقة منذ سبتمبر الماضي، بسبب انتخابات داخلية شهدها التنظيم، ولم تعترف بها تلك القيادات الموقوفة التي تعتبر وجود “مخالفات” تبطلها.
وتابعت المصادر أن منير ولجنة الانتخابات، زعموا صحة وسلامة موقفها وشرعية نتائج الانتخابات، التي نتج عنها خسارة شخصيات محسوبة على المجموعة الموقوفة، بينما طالبت أطراف أخرى بعدم تسليم بعض تلك القيادات الموقوفة ملفات بحوزتها لإدارة شؤون الجماعة، حيث تدعي القيادات المتنازعة بأنهم يحافظون على التنظيم ومحاولة إنقاذه.
وأوضحت المصادر أن أسباب الصراع الطاحن بين قيادات التنظيم، ترجع لأسباب مالية وإعلامية، حيث أوقفت الدول الحاضنة لهم دعمهم وتحديد أنشطتهم، ومنها تركيا، التي أصدرت قرارات حاسمة بشأن النشاط الإعلامي، في ظل مساعيها لإعادة العلاقات مع مصر والإمارات.
وأشارت إلى أن الصراع الداخلي بين الإخوان يهدف إلى الاستيلاء على المقدرات المالية للجماعة، حيث تحاول القيادات المتنازعة للحصول على أكبر نسبة من الدعم الضئيل الذي يصل لهم، بعد انهيار أذرع الجماعة في الدول العربية، منهم المغرب وتونس ومصر والسودان.
وفي دراسة للمركز الفرنسي للأبحاث والدراسات السياسية، أصدرها في أغسطس الماضي، أوضح أن جماعات الإسلام السياسي فشلت في أن تقدم نفسها كبديل مقنع للشعوب العربية، ولم تستطع أن تنشئ مشروعا سياسيا أو أن تكون له قيادات فاعلة ومحبوبة من قبل الشعب، بل دخلت في خلافات مع الأطراف الأخرى ومؤسسات الدولة من أجل البقاء في السلطة.
وأكدت الدراسة أن جماعات الإسلام السياسي تؤمن بالوطن كحيز معنوي وليس كحيز وطني، فيكفي أن تبايع هذه الجماعات أحد قادتها كخليفة ليصبح لديهم خلافة دون فرض السيادة على الجغرافيا من خلال تحسين ظروف المجتمع والتفكير في تنميته، فهي لا ترى نفسها إلا امتداداً للتنظيم في كل مكان، فهي تحاول أن تستنزف مقدرات الوطن من أجل الانتماء والبيعة للتنظيم الدولي، حتى وإن أظهرت غير هذا. ولذلك عندما أسقطت الحركة في بعض الدول وجدت نفسها معزولة ولم يقف أحد معها.
وتابعت أن ذلك لا يعني أن هذه الجماعات الإسلامية تفقد الأمل بالعودة مرة ثانية إلى المشهد السياسي، فهي تحاول بشكل مستميت التشبث بالسلطة بكل الوسائل، ففي مصر حاول من خلال نهج العنف، وفي تونس ما زالت تراوغ وتسعى إلى تغير تكتيكات مختلفة لتحافظ على بقائها طرفا في المشهد السياسي سواء من خلال الخطابات التصالحية أو الدعوة لإجراء حوار سياسي مع الرئيس، في محاولة منها للخروج من أزمتها الحالية، بعد فشلها في حشد الاحتجاجات ضد قرارات الرئيس.
ولفتت الدراسة إلى أن التراجع المطرد سيكون له الآثار الأكيدة على حجم التأييد الشعبي للإسلاميين في الدول الأوروبية أيضا لا سيما فرنسا، وهو ما يمكن أن يؤسس لحقبة جديدة بعنوان “عزلة حتمية للإسلاميين”، وقد يساعد على ذلك حالة الإنكار والتعالي الخطيرة على الواقع، وذلك مظهر آخر من مظاهر فشل الإخوان، ولعله أيضا سيكون عاملا محددا من عوامل ارتفاع الهتافات الشعبية ضد الإسلاميين.