في تطور دراماتيكي يشهده ملف الحرب الروسية الأوكرانية مع نهاية عام 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب لقاء قمة استمر لساعتين مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في منتجع “مار-أ-لاغو”، أن اتفاق السلام بات “أقرب من أي وقت مضى”.
وبينما أكد ترامب أن المسودة النهائية للاتفاق أُنجزت بنسبة 95%، إلا أنه اعترف بوجود “قضايا شائكة” ما تزال عالقة، وعلى رأسها لغز الأراضي في إقليم دونباس والمطالب الروسية التي تصفها كييف بـ”التعجيزية”.
قمة مار-أ-لاغو: “فن الصفقة” في مواجهة بارود المدافع
جاء لقاء ترامب وزيلينسكي بعد ساعات فقط من اتصال هاتفي مطول وصفه ترامب بـ”المنتج جدًا” مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويحاول ترامب استغلال استراتيجيته الشهيرة في التفاوض لإنهاء الحرب التي تقترب من عامها الرابع، معتمدًا على خطة سلام مكونة من 20 إلى 28 نقطة.
ورغم الأجواء الإيجابية التي حاول ترامب إشاعتها، مشيدًا بشجاعة زيلينسكي وبأن بوتين “يريد إنهاء الحرب أيضاً”، إلا أن الواقع الميداني ما يزال يفرض إيقاعه الثقيل، حيث تواصل روسيا السيطرة على بلدات جديدة في دونيتسك، مما يعقد أي مفاوضات حول “خطوط التماس”.
لغز الأراضي: “الجمود” الذي يهدد الصفقة
تمثل السيطرة الترابية العقدة الأكبر في منشار السلام. تتلخص “القضايا الشائكة” التي أشار إليها ترامب في نقطتين جوهريتين المطالب الروسية القصوى حيث يصر بوتين على الاحتراف بسيادة روسيا على المناطق الأربع التي ضمها (دونيتسك، لوغانسك، زابوريزهيا، وخيرسون)، بل ويطالب بانسحاب أوكرانيا من أجزاء في هذه المناطق لم تسيطر عليها القوات الروسية عسكرياً بعد، والموقف الأوكراني زيلينسكي، المدعوم بموقف أوروبي حازم تقوده أورسولا فون دير لايين، يرفض أي تنازل يمس بسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها. وتقترح كييف بدلاً من ذلك “مناطق منزوعة السلاح” تحت مراقبة دولية، مع سحب متبادل للقوات من خطوط التماس الحالية.
خطة ترامب المسربة
وتشير المسودات المسربة لخطة ترامب التي عمل عليها مبعوثه ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنر إلى ملامح صفقة قد يجدها الجانب الأوكراني “مرة المذاق” وتجميد النزاع وقف القتال عند “خط المعركة الحالي”؛ مما يعني بقاء القوات الروسية في الأراضي التي تحتلها وحياد أوكرانيا والالتزام بعدم الانضمام لحلف الناتو لعقود مقابل ضمانات أمنية أمريكية وأوروبية لكن دون التزام عسكري أمريكي مباشر بالدفاع وتقليص قوام الجيش الأوكراني إلى 600 ألف جندي (بنسبة خفض تصل إلى 30%) ورفع العقوبات عن روسيا تدريجيًا وعودتها لمجموعة الثماني (G8)، مقابل تخصيص جزء من الأصول الروسية المجمدة لإعادة إعمار أوكرانيا.
ومن بين القضايا التي تزيد “اللغز” تعقيدًا هي محطة زابوريزهيا النووية، تشير التقارير إلى مقترح بخضوع المحطة لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع “تقاسم الكهرباء” المنتجة بين البلدين، وهو أمر يواجه صعوبات لوجستية وسيادية ضخمة.
كما تتضمن الخطة ضغطًا أمريكيًا لإجراء انتخابات في أوكرانيا خلال 100 يوم من الاتفاق، وهو ما يثير مخاوف في كييف من حدوث انقسام داخلي في وقت ما تزال فيه البلاد تلملم جراح الحرب.
الجدار الروسي.. هل يرضى بوتين بـ “95%”؟
وقالت مصادر: إن الخطر الأكبر الذي يواجه ترامب ليس في إقناع زيلينسكي، بل في جدار المطالب الروسية، حيث أن بوتين يرى نفسه في موقف “القوي” ميدانيًا، ووفقًا لمساعده يوري أوشاكوف، فإن الكرملين يعتبر أي “هدنة” دون ضمانات أمنية روسية شاملة (تشمل تراجع حدود الناتو) مجرد فرصة لأوكرانيا لإعادة التسلح وترامب، الذي عرض السفر إلى موسكو وكييف لإبرام الصفقة، قد يصطدم بحقيقة أن ما يراه “تقدمًا ملموسًا” يراه بوتين “مجرد بداية” لمطالب تتجاوز حدود أوكرانيا لتشمل إعادة رسم الخارطة الأمنية لأوروبا بالكامل.
هل ينجح “فن الصفقة”؟
يدخل العالم عام 2026 على أمل انتهاء أطول حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، فرامب يراهن على كاريزمته الشخصية وقدرته على الضغط الاقتصادي والعسكري، لكن “لغز الأراضي” يظل هو الصخرة التي قد تحطم طموحاته، وإذا لم تنجح المجموعات الفنية الأمريكية والروسية والأوكرانية التي ستلتقي في يناير 2026 في حل عقدة دونباس، فإن “التقدم” الذي أعلنه ترامب قد يتبخر ليحل محله تصعيد أوسع وأكثر دموية.

