تعيش العلاقات العراقية–اللبنانية مرحلة حساسة من تاريخها السياسي، بعد الجدل المتصاعد حول تصنيفات الإرهاب وتقاطعات الأمن الإقليمي، في ظل توازنات دقيقة تحكم علاقة البلدين بالمحاور الإقليمية والدولية.
ويثير هذا الجدل أسئلة ملحّة حول مستقبل التعاون بين بغداد وبيروت، ومدى قدرة الطرفين على حماية العلاقات الثنائية من تأثيرات التوترات الإقليمية والاتهامات المتبادلة التي تُثار من حين لآخر حول ملفات أمنية معقدة.
تحولات إقليمية تعيد رسم المشهد
شهدت المنطقة العربية خلال الأعوام الماضية تحولات جوهرية أعادت تعريف مفهوم “الإرهاب”، ليس فقط كمصطلح أمني، بل كأداة سياسية تُستخدم لتوجيه الرسائل وتحديد مواقف الدول، وهذا الواقع يجعل بيروت أكثر حساسية تجاه أي نقاشات خارجية تتعلق بتصنيفات الإرهاب.
ملف حزب الله
وقالت مصادر إن ملف “حزب الله” يُعد النقطة الأكثر حساسية في العلاقات العراقية–اللبنانية، نظرًا لاختلاف التعاطي مع الحزب بين بغداد التي تنسق مع واشنطن بما يفرضه ذلك من سياسات محددة، وبين بيروت التي تعتبر الحزب جزءًا من بنيتها الداخلية.
وفي العراق، تنظر بعض التيارات السياسية إلى حزب الله بوصفه شريكًا داعمًا في محاربة “داعش”، بالنظر إلى الدعم العسكري والاستشاري الذي قدّمه للحشد الشعبي خلال سنوات المواجهة.
وقد ضاعفت الأزمة الاقتصادية اللبنانية منذ 2019 أهمية هذا الجانب، حيث بات آلاف اللبنانيين يعتمدون على الوظائف والاستثمارات في العراق كمصدر رئيسي للدخل.
وتشير مصادر في بغداد إلى أن هناك تنسيقًا دائمًا مع بيروت حول ملفات تتعلق بتبادل البيانات والمعلومات حول الشبكات العابرة للحدود، خصوصًا تلك المرتبطة بتهريب السلاح أو تمويل الجماعات المسلحة.
إلا أن هذا التعاون يبقى محكومًا بسقف سياسي يراعي حساسية كل طرف؛ فالعراق لا يريد أن يُتّهم بأنه يوفر غطاءً لأي نشاط سياسي أو مالي مرتبط بجهات مصنفة إرهابية، ولبنان بدوره لا يرغب في أن يظهر وكأنه يخضع لأي ضغوط خارجية تغيّر من توازناته الداخلية. هذا التوازن الدقيق يجعل الأمن ملفًا يمكن أن يقوي العلاقات، لكنه في الوقت ذاته قد يتحول إلى نقطة توتر إذا ارتفعت حدة الخطاب الإقليمي حول “تصنيف الإرهاب”.
هل يتجه البلدان إلى أزمة أم إلى تعزيز التعاون؟
في ضوء التطورات الحالية، يمكن رسم ثلاثة احتمالات رئيسية لما سيؤول إليه مستقبل العلاقات:
تعزيز التعاون: حيث يتزايد التنسيق السياسي والأمني والاقتصادي، مع اعتماد آلية مشتركة لمعالجة الملفات الحساسة، خصوصًا تلك المتعلقة بـ”التصنيف الإرهابي”. وهذا السيناريو يتطلب دعمًا إقليميًا يضمن استقرار التوازنات في البلدين، ويعزز التعاون في ملفات الطاقة والعمالة والأمن.
استمرار الوضع القائم: حيث يُبقي الطرفان على مستوى علاقات طبيعي، دون تقدم كبير أو تراجع حاد، ويتجنب كل منهما الإدلاء بأي تصريحات قد تُفسَّر أنها اصطفاف مع محور ضد الآخر، مع استمرار التعاون الاقتصادي بوصفه القاعدة الأقل حساسية.
تنامي التوتر: من الممكن أن يتصاعد الجدل حول ارتباط بعض الملفات المالية أو السياسية بجهات مصنفة إرهابية، مما يؤدي إلى ضغط دولي على العراق أو لبنان، ويخلق مناخًا من التوجس المتبادل. وهذا السيناريو يبقى الأقل ترجيحًا، لكنه ممكن في حال تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران أو وقوع أحداث أمنية كبرى.

