يشهد لبنان مرحلة من الاحتقان الميداني غير المسبوق منذ سنوات، مع تصاعد العمليات الإسرائيلية على الجنوب واستمرار حزب الله في الرد بنيران كثيفة عبر الحدود.
ومع كل غارة أو صاروخ، تتقلص المسافة بين “الاشتباك المحدود” و”المواجهة الشاملة”، في وقت يبدو فيه الداخل اللبناني عاجزًا عن التأثير في مجريات الأحداث أو احتوائها.
في العاصمة بيروت، يسود صمت ثقيل، يتخلله قلق شعبي متزايد من أن تتحول الجبهة الجنوبية إلى ساحة حرب مفتوحة، خصوصًا مع التراخي السياسي الذي يطبع الموقف الرسمي وعدم وجود رؤية موحدة للتعامل مع التطورات.
الجنوب بين نارين
قرى الجنوب اللبناني باتت مسرحًا لتبادل القصف اليومي، حيث يعيش السكان بين نزوح مؤقت ومخاوف من تهجير دائم، وخطوط التماس القديمة عادت إلى الواجهة، والجيش الإسرائيلي يوسع ضرباته في العمق، بينما يرد حزب الله باستهداف مواقع عسكرية إسرائيلية متقدمة.
وتبدو التحركات الميدانية للحزب انعكاسًا لسياسة “الردع المتبادل” التي يسعى لتكريسها، في ظل رسائل إقليمية مرتبطة بالصراع في غزة، لكن كثافة النيران المتبادلة ترفع احتمال الانزلاق نحو تصعيد أكبر، خاصة إذا سقط عدد كبير من الضحايا المدنيين أو استُهدفت منشآت حساسة.
شلل سياسي وغياب الدولة
في المقابل، يعاني المشهد السياسي اللبناني من جمود تام، لا حكومة فاعلة قادرة على اتخاذ قرارات، ولا رئيس جمهورية يعيد التوازن إلى المؤسسات.
هذا الفراغ جعل من الساحة اللبنانية أرضًا رخوة أمام كل الاحتمالات، وفتح الباب أمام القوى الخارجية لتحديد مسار الأزمة.
القرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 1701، تبدو حبرًا على ورق، إذ فشلت الدولة في فرض سيادتها على الجنوب أو ضبط سلاح الفصائل.
ومع غياب خطة واضحة للتهدئة، تتزايد المخاوف من أن يتحول لبنان إلى “جبهة بالوكالة” تدفع ثمن الصراع الإقليمي.
انقسام داخلي وقلق شعبي
على المستوى الداخلي، تتباين مواقف القوى السياسية بشأن طريقة التعامل مع حزب الله، فبين من يرى في سلاحه “ضرورة دفاعية” ضد إسرائيل، ومن يعتبره تهديدًا لسيادة الدولة، يبقى المشهد الوطني منقسمًا إلى معسكرين لا يجمع بينهما سوى القلق من المستقبل.
بينما الشارع اللبناني، المنهك بالأزمات الاقتصادية والمعيشية، يعيش حالة من الترقب واللامبالاة القسرية، إذ باتت الحرب المحتملة مجرّد فصل جديد من معاناة طويلة، بينما تغيب أي مبادرات جدية لاحتواء الأزمة أو تهدئة الجبهة.
سيناريوهات مفتوحة
مع استمرار التصعيد، تتحدث الأوساط الدبلوماسية عن ثلاثة سيناريوهات محتملة، والأول، بقاء الوضع على ما هو عليه ضمن حدود الاشتباك المتبادل، والثاني، توسع العمليات إلى حرب محدودة تستهدف البنية التحتية العسكرية للحزب، أما الثالث — والأخطر — فهو انزلاق شامل يطال كل الأراضي اللبنانية.

