تتحول كوبنهاغن هذه الأيام إلى ساحة اختبار حقيقية لوحدة الموقف الأوروبي، مع انعقاد القمة السابعة للمجتمع السياسي الأوروبي بمشاركة نحو خمسين قائداً من داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه. الحضور الأبرز هو للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي جاء حاملاً رسالة واضحة: بقاء أوكرانيا صامدة يعتمد على استمرار الدعم الأوروبي، وأن مواجهة روسيا ليست معركته وحده بل معركة تخص مستقبل القارة بأكملها.
أوكرانيا في قلب المعادلة
أوكرانيا لم تغب عن جدول الأعمال ولو للحظة. فالقادة الأوروبيون يدركون أن المسيرات الروسية والهجمات العسكرية المستمرة تمثل تهديداً مباشراً لأمنهم، وأن مساندة كييف لم تعد خياراً سياسياً بقدر ما هي ضرورة استراتيجية. زيلينسكي يطالب بضمانات ملموسة لتثبيت الدعم العسكري والاقتصادي، فيما تسعى العواصم الأوروبية إلى إظهار أن وحدتها قادرة على الصمود رغم الضغوط والتباينات.
الأمن الأوروبي بين الداخل والخارج
النقاش في كوبنهاغن يتجاوز خطوط الجبهة الأوكرانية ليطرح سؤالاً أعمق: كيف يمكن لأوروبا أن تعيد تعريف أمنها في عالم متقلب؟ فالمسألة لا تتعلق فقط بتعزيز القدرات العسكرية وردع التهديدات الروسية، بل تشمل أيضاً حماية الاقتصاد من تداعيات الحرب وأزمات الطاقة، ومعالجة ملفات شائكة مثل الهجرة وتهريب المخدرات التي تضغط على المجتمعات الأوروبية من الداخل. لقد أصبح الأمن الأوروبي مفهوماً شاملاً يمزج بين الدفاع والاقتصاد والسياسة الداخلية، ما يعكس إدراك القادة أن التهديدات لم تعد تقف عند حدود الدول بل تخترق نسيجها الاجتماعي والاقتصادي.
غياب روسيا وبيلاروسيا: دلالات العزلة
الحضور الواسع لدول الاتحاد الأوروبي ومعها بريطانيا وسويسرا وجورجيا ومولدوفا يقابله غياب متعمد لروسيا وبيلاروسيا. وهو غياب يحمل رسالة سياسية واضحة: أوروبا تعيد بناء معادلتها الأمنية بعيداً عن موسكو وحلفائها، وتؤكد أن الكلمة الفصل في مستقبل القارة لن تكون لهم. هذه العزلة تعكس تراجع نفوذ روسيا داخل النظام الأوروبي، في مقابل سعي الاتحاد لتشكيل جبهة موحدة.
الدنمارك في قلب المشهد
باستضافتها المتتالية لقمة الاتحاد الأوروبي ثم القمة الأوسع للمجتمع السياسي الأوروبي، وضعت الدنمارك نفسها في قلب المشهد. كوبنهاغن لم تعد مجرد عاصمة صغيرة في شمال أوروبا، بل منصة لصياغة المواقف الحاسمة بشأن الحرب والأمن الأوروبي. وتدرك رئيسة الوزراء مته فريدريكسن أن لحظات كهذه تمنح بلادها وزناً مضاعفاً في معادلة القرار الأوروبي.