مع كل يوم يمرّ، يتزايد القلق الدولي من احتمال انزلاق المنطقة إلى مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، بعدما تجاوزت الأزمة حدود حرب التصريحات والرسائل المتبادلة، لتقترب من لحظة مواجهة عسكرية مفتوحة.
وفي ظل غياب أي مسار دبلوماسي فعّال، وتنامي الاستعدادات الميدانية، تبدو المنطقة وكأنها تقف على أعتاب صراع قد يترك بصماته العميقة على مستقبل الشرق الأوسط بأسره.
استعدادات إيرانية شاملة
أعلنت طهران مؤخراً رفع حالة التأهّب القصوى في قواتها المسلحة، حيث أكّد رئيس الأركان عبد الرحيم موسوي أن إيران سرعت وتيرة تطوير منظوماتها الدفاعية والصاروخية.
ويأتي ذلك بالتزامن مع رفض لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني أي نقاش يمسّ قدرات طهران الصاروخية، معتبرة أن المساعي الأميركية لفرض سقف 300 كيلومتر على المدى الصاروخي ليست سوى محاولة مباشرة لتأمين إسرائيل وإضعاف قوة الردع الإيرانية.
الموقف الإسرائيلي وتراجع الدعم الأميركي
على الجانب الآخر، تتعامل إسرائيل مع هذا التصعيد بكثير من القلق. فبرغم تحذيرات وسائل الإعلام العبرية من مواجهة “غير مسبوقة”، تواجه تل أبيب معضلة تراجع الدعم الأميركي، سواء على مستوى التمويل العسكري أو الغطاء السياسي، خاصة في ظل انشغال واشنطن بأولويات داخلية وخارجية متعددة.
ويرى محللون أن أي مواجهة شاملة قد تتحول سريعاً إلى حرب استنزاف طويلة، وهو السيناريو الذي تخشاه إسرائيل بشدة.
دبلوماسية متآكلة ورسائل متوترة
لم يعد المسار الدبلوماسي فاعلاً. فقد أكّد وزير الخارجية الإيراني السابق عباس عراقجي أن التفاوض مع واشنطن وصل إلى طريق مسدود، مشدداً على أن تفعيل الأوروبيين لآلية “سناب باك” يفتقر إلى الشرعية الدولية. وفي المقابل، تحرّكت موسكو وبكين إلى جانب طهران، معلنتين رفضهما لأي خطوات عسكرية ضد إيران، واعتبار العقوبات الاقتصادية جزءاً من “خطة خنق” غربية تستهدف تغيير موازين القوى في المنطقة.
نتنياهو والخيارات الهجومية
يرى مراقبون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يجد في التصعيد العسكري مخرجاً من أزماته السياسية الداخلية، لاسيما مع تنامي الاحتجاجات ضده. وتشير تقارير عسكرية إلى أن واشنطن نقلت بالفعل طائرات للتزود بالوقود ومقاتلات إضافية إلى قاعدة العديد في قطر، وهو ما يعكس استعداداً لدعم أي تحرك إسرائيلي، ولو بشكل غير مباشر.
دعم دولي لإيران ومعركة وجودية
من جانبها، تؤكد طهران أنها تلقت دعماً متزايداً من روسيا والصين وحتى كوريا الشمالية، سواء على صعيد التسليح أو تبادل الخبرات العسكرية. ويصف محللون إيرانيون هذا الدعم بأنه جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تحويل أي مواجهة إلى مستنقع استنزاف يضعف إسرائيل ويستنزف الولايات المتحدة في آنٍ واحد.
ويرى هؤلاء أن المواجهة المقبلة لن تكون مجرد حرب حدودية، بل “حرب وجود”، وهو ما أدى إلى اصطفاف أطياف سياسية مختلفة داخل إيران خلف القيادة.
مستقبل مفتوح على التصعيد
رغم الدعوات الدولية إلى ضبط النفس، فإن المشهد الميداني لا يبشّر بتهدئة وشيكة. فتعزيز القدرات الدفاعية الإيرانية، والتحركات العسكرية الأميركية في الخليج، وتصاعد التوترات السياسية في إسرائيل، كلها مؤشرات تدفع المنطقة إلى حافة مواجهة قد تغيّر شكل الشرق الأوسط لعقود مقبلة.
وفي حال اندلاعها، لن تكون الحرب محصورة بين طهران وتل أبيب، بل قد تنفتح على ساحات أوسع، لتتحول إلى صراع إقليمي ذي انعكاسات عالمية.