في مشهد يبدو للوهلة الأولى كاختراق مفاجئ للحرب الأمريكية في اليمن، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن جماعة الحوثيين أبدت استعدادها لوقف الهجمات، وهو ما قابله إعلان أميركي بوقف الضربات الجوية فورًا.
التحول، الذي جاء دون مقدمات واضحة، أثار تساؤلات حول أبعاده الحقيقية، هل هو انعكاس لضغوط أميركية على إيران؟ أم نتيجة صفقة سياسية في الظل؟ أم أنه مجرد مناورة حوثية جديدة ضمن سياسة “الانحناء المؤقت”؟
اختيار إيران توقيت الضغط على الحوثيين
مصادر مُتعددة أكدت، أن إيران هي من ضغط على الحوثيين لخفض التصعيد في البحر الأحمر، وخصوصاً ضد المصالح الأميركية.
هذا التحول في الموقف الإيراني لا يبدو منفصلاً عن السياق الأوسع للمفاوضات النووية المرتقبة مع واشنطن، والتي يتوقع استئنافها قريباً في مسقط.
الرسائل الأميركية كانت واضحة، خصوصًا عبر الضربات الجوية الدقيقة التي استهدفت مراكز قيادة الحوثيين، بل وحتى أماكن تواجد مستشارين إيرانيين.
إيران، التي تجد نفسها في موقع حساس دوليًا، لا تريد مواجهة مفتوحة في هذا التوقيت، وتسعى لإعادة ضبط التوترات الإقليمية دون التنازل عن أوراقها.
الضغط على الحوثيين كان أشبه بإشارة “تهدئة تكتيكية”، هدفها إظهار مرونة تفاوضية أمام الغرب، دون المساس بجوهر تحالفها مع الجماعة.
هل جاء الرد الأميركي أقوى من المتوقع؟
خلال الأسابيع الماضية، كثفت الولايات المتحدة ضرباتها على أهداف حوثية في اليمن، مستهدفة أنظمة الاتصالات، مخازن الأسلحة، ومراكز العمليات، المعلومات تشير أن أكثر من 800 غارة نفذت بدقة عالية، وشلت بشكل كبير قدرة الجماعة على تنسيق عملياتها.
الرد العسكري الحاسم أعاد رسم معادلة الردع، ووجه رسالة قاسية لإيران بأن كل تصعيد له ثمن.
صفقة غير معلنة تلوح في الأفق
أجواء التهدئة التي سادت فجأة تعزز فرضية وجود صفقة خلف الكواليس، الوساطة العمانية، المعلنة بشكل جزئي، تشير إلى تنسيق غير مباشر بين طهران وواشنطن، قد لا يقتصر فقط على اليمن، بل يشمل أيضًا مسار المفاوضات النووية وتهدئة الجبهات الإقليمية.
في هذا السياق، يبدو إعلان ترامب عن “استسلام الحوثيين” وكأنه ترويج سياسي لانتصار داخلي، لكنه في الواقع قد يخفي ترتيبات أكثر تعقيداً، بعضها يتعلق بالانتخابات الأميركية المقبلة، وبعضها مرتبط برغبة إدارة بايدن في تقليص التورط العسكري في الشرق الأوسط.
ورغم الإعلان عن وقف الهجمات ضد السفن الأميركية، إلا أن الحوثيين لم يعلنوا وقفاً شاملاً للتصعيد، بل أكدوا استمرار عملياتهم دعماً لغزة، واستهدافهم لإسرائيل.
كما أن تقييمهم “الميداني” لجدية وقف الضربات الأميركية، يعكس أن قرارهم بالتهدئة ليس مطلقاً، بل خاضع لحسابات داخلية وخارجية معقدة.
والقرار الحوثي، على الأرجح، لا يتخذ بمعزل عن طهران، فالمعادلة السياسية والعسكرية للجماعة أصبحت مرتبطة بشكل وثيق بالدعم الإيراني، ما يجعل التهدئة خطوة مؤقتة بانتظار تطورات الملفات الإقليمية الكبرى.
إيران حاليًا تحاول تجنب انفجار إقليمي قد يضر بمفاوضاتها النووية، والولايات المتحدة تسعى لضبط التوتر دون التورط في حرب طويلة الأمد. بينما الحوثيون، فهم في وضع دفاعي، لكنهم لا يزالون يحتفظون بورقة التصعيد متى ما تغيرت الظروف.