في مفاجأة من العيار الثقيل، تم الكشف عن تجسس ميليشيا الحوثي على إعلاميين وسياسيين يمنيين وسعوديين وعرب من دول متفرقة وعدد من المنظمات الدولية، وذلك عبر ما توصلت إليه شركة متخصصة في الأمن السيبراني.
وأفاد التقرير، الصادر عن موقع “ريكورديد فيوتشر”، بأن المجموعة اخترقت هواتف القائمين على عدد من المنظمات، منها مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية، ومشروع مسام لنزع الألغام، بالإضافة إلى منظمات دولية عاملة في اليمن كصندوق الطوارئ الأممي، وجمعية الهلال الأحمر، وعدد من السياسيين والإعلاميين اليمنيين والسعوديين.
ومن ناحيتهم، أكد مراقبون أن الاختراقات هذه هي نتيجة طبيعية لترك منظومة الاتصالات بيد ميليشيا الحوثي منذ ثماني سنوات، دون تحرك جدي لاستعادتها من الانقلابيين، وتجريدهم من إحدى أهم أدوات المعركة.
فيما كشف مهندس أمن المعلومات والمدافع عن الحقوق الرقمية، فهمي الباحث: “أن التقرير بشأن القرصنة نُشر من شركة ريكورديد فيوتشر، وكانت قد نشرت تقريرا مشابها عن وضع الإنترنت في اليمن، واستخدامه في عام 2018م”.
وأضاف: “التقرير يقول إنه بدأ بعملية تتبع موضوع القرصنة، منذ 14 إبريل من العام الماضي، وهو اليوم الذي تلقيت فيه شخصيا طلب مساعدة من أحد الصحافيين، الذي كان يتواجد في السعودية للمشاركة في المفاوضات الحكومية حينها، وأبلغني حينها بأنه تلقى رسالة معينة من شخصية تنتحل بأنها تعمل في صندوق الإعمار السعودي المتعلق باليمن، وبعث له تطبيق أندرويد على الواتساب ليقوم بتحميله”.
كما قال إن: “الصحفي قام بتحميل التطبيق بعد أن أرسل لي نسخة منه، وقمنا بتحليله بمساعدة مهندسين مختصين آخرين، ومنظمات دولية تعمل في الحقوق الرقمية، واكتشفنا أن التطبيق عبارة عن فيروس مبني على برمجية خبيثة سابقة تعرف بـ سباي نوت، وعند تحميل التطبيق يكون لديه قدرة على الوصول لكل شيء في الهاتف، بما في ذلك سجل المكالمات، والتنصت، والجي بي إس، والرسائل والصور وغيرها”.
وأوضح مهندس أمن المعلومات والمدافع عن الحقوق الرقمية أن: “الشركة منذ ذلك الحين بدأت تتبع التطبيقات المتشابهة، التي انتشرت أيضا في فترات مختلفة، ونشرنا تحذيرات للصحفيين والمهتمين عبر السوشال ميديا، بأن ذات البرمجيات والجهة ذاتها هي من تقف خلف هذه البرمجيات”.
وأشار إلى أنه: “للأسف الشديد، الحكومة الشرعية لا تدرك أهمية الحرب الإلكترونية، فيما ميليشيا الحوثي تدركها جيدا، وهي لا تقل أهمية عن الحرب في الجبهات، ومن يمتلك المعلومة اليوم هو من سيكون المسيطر والقادر على التخطيط والتنفيذ، والوصول إلى الأهداف بدقة متناهية، وبسرعة أكبر، وخسائر أقل”.
كما أكد المهندس فهمي الباحث أنه “كان على الحكومة أن تبني نفسها، وتعتمد على نفسها، فنحن لدينا في اليمن كوادر، ربما تفوق دول الخليج”، مضيفا: “ميليشيا الحوثي تدرك أهمية الحرب الإلكترونية جيدا، واستعانت بخبرات أجنبية بالتأكيد، وهناك من يرشدها، ولديها إستراتيجية للأمن السيبراني على مستوى المناطق التي تسيطر عليها، ولديها فِرق خاصة بالأمن الإلكتروني، والجريمة الإلكترونية”.
وفي السياق نفسه، قال الخبير في تقنية المعلومات، وعضو هيئة التدريس بجامعة سبأ، رأيد الثابتي: “هذا التقرير يعتبر تطورا خطيرا في مسألة التنصت على الخصوم، لأنها انتقلت من التنصت من المعارضين والخصوم في الداخل إلى التنصت على الخصوم في أي مكان بالعالم”.
ولفت إلى أن: “ما تحتاجه ميليشيا الحوثي هو رقم الواتساب الخاص بالضحية، ومن خلال زراعة مثل هكذا تطبيق تستطيع أن تتحكم بكافة خدمات الجوال، ومن المعروف أن الحكومة الشرعية، منذ تلك الفترة، ما زالت غالبية التعاملات، سواء كانت عسكرية أو أمنية أو مدنية، تتم عبر الواتساب”، موضحا: “هناك تطور خطير، وللأسف لا يوجد أدنى تحرك من قِبل الحكومة الشرعية لمواجهة الحرب التي تسمى بالحرب السيبرانية”.
وأردف رأيد الثابتي: “بعد مشاهدتي هذا التقرير، كنت أفكر لماذا لا يكون هناك تحالف إلكتروني على غرار التحالف العسكري لمواجهة هذه الميليشيات، خصوصا في هذا الملف”، مضيفا: “نحن صرخنا منذ اليوم الأول في مسألة نزع الاتصالات وتقنية المعلومات من الميليشيات، لأن هذه الخطوة اعتمدت بالأساس على منصة PCT، التي تزوّد البلد بكافة خدمات الاتصالات والإنترنت، وإذا لم تكن الميليشيا مسيطرة على هذه الخدمة، وعلى القطاع الأساسي في البلد، لما استطاعت أن تنفذ مثل هذه الخطوة الخطيرة”.