تفاقمت الأوضاع في السودان بصورة كبيرة خلال الساعات القليلة الماضية، إذ حذرت القيادة العامة للجيش السوداني من منعطف تاريخي وخطير تمر به البلاد ويرتبط بحشد قوات الدعم السريع في الخرطوم وبعض المدن، وفقا لما ورد في بيان مصور صدر فجر اليوم الخميس عن القيادة العامة للقوات المسلحة وألقاه المتحدث باسم الجيش السوداني، العميد ركن نبيل عبدالله.
وقالت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية: “بلادنا تمر بمنعطف تاريخي وخطير وتزداد مخاطره بقيام قوات الدعم بتحشيد القوات والانفتاح في العاصمة وبعض المدن”، مضيفة: “تحركات قوات الدعم السريع تمت دون موافقة قيادة القوات المسلحة أو مجرد التنسيق معها مما أثار الهلع والخوف لدى المواطنين”.
وتابعت: “لم تنقطع محاولتنا لإيجاد الحلول السلمية لهذه التجاوزات حفاظا على الطمأنينة العامة وعدم الرغبة في نشوب صراع مسلح”، وجددت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية تمسكها بما تم التوافق عليه في دعم الانتقال السياسي، وفقا لما جاء في الاتفاق الإطاري.
كما حذرت القيادة العامة للقوات المسلحة القوى السياسية في السودان من مخاطر المزايدة في مواقف القوات المسلحة الوطنية، مؤكدة أكدت أن القوات المسلحة يقع على عاتقها دستوريا وقانونيا حفظ وصون أمن وسلامة البلاد، ويعاونها في ذلك أجهزة الدولة المختلفة.
وقالت: “نظمت القوانين كيفية تقديم هذا العون، بناء على ذلك وجب علينا أن ندق ناقوس الخطر بأن بلادنا تمر بمنعطف تاريخي وخطير، وتزداد مخاطره بقيام قيادة قوات الدعم السريع بتحشيد القوات والانفتاح داخل العاصمة وبعض المدن”.
وجددت التأكيد على أن “هذه التحركات والانفتاحات تمت دون موافقة قيادة القوات المسلحة أو مجرد التنسيق معها مما أثار الهلع والخوف في أوساط المواطنين، وفاقم من المخاطر الأمنية وزاد من التوتر بين القوات النظامية”.
وأشارت في بيانها: “لم تنقطع محاولات القوات المسلحة في إيجاد الحلول السلمية لهذه التجاوزات وذلك حفاظا على الطمأنينة العامة وعدم الرغبة في نشوب صراع مسلح يقضي على الأخضر واليابس”، موضحة: “هذه الانفتاحات وإعادة تمركز القوات يخالف مهام ونظام عمل قوات الدعم السريع وفيه تجاوز واضح للقانون ومخالفة لتوجيهات اللجان الأمنية المركزية والولائية واستمرارها سيؤدي حتما إلى المزيد من الانقسامات والتوترات التي ربما تقود إلى انفراط عقد الأمن بالبلاد”.
ورغم تحذيرات الجيش السوداني من خطورة الوضع الأمني الراهن بعد التوترات التي تفجرت في منطقة مروي بالولاية الشمالية للبلاد، إلا أن قوات الدعم السريع لم تنسحب حتى اللحظة من قاعدة مروي.
ومن المنتظر أن اجتماعاً لمجلس الأمن والدفاع السوداني بحضور قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو الذي يرأس الدعم السريع، سيعقد مساء اليوم، بينما تدخلت العديد من الأحزاب المدنية والسفارات الأجنبية للتهدئة بين الجانبين.
كما عقد اجتماع القوى المدنية بوقت سابق اليوم خلص إلى تشكيل لجنة للتواصل مع قيادات الجيش، إلى ذلك، ما زال البرهان يتمسك بمسألة وجوب دمج قوات الدعم السريع ضمن صفوف القوات المسلحة، وضرورة عدم تحركها دون تنسيق.
وترجع تلك الأزمة إلى مطلع أبريل الجاري، حيث عصفت خلافات حول بعض القضايا العالقة، بموعد توقيع الاتفاق النهائي بين القوى السياسية والجيش والدعم السريع في السودان، وسبق أن تم تأجيل التوقيع على اتفاق سياسي نهائي بين القوى السياسية والجيش والدعم السريع، بسبب عدم وجود “توافق حول بعض القضايا العالقة”.
ويرتبط الخلاف في الأساس حول ملف “دمج قوات الدعم السريع” وجدوله الزمني، حيث تجرى المفاوضات برعاية الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، إيقاد).
وكان من المقرر توقيع اتفاق نهائي يؤدي إلى حكومة مدنية الشهر الماضي وبدء انتقال جديد نحو الانتخابات، إلا أن الخلافات ظهرت في مارس الماضي حول الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في الجيش، وهي خطوة تمت الدعوة إليها في الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه في ديسمبر الماضي.
ونص الاتفاق الإطاري على تأجيل النظر في بعض القضايا الحساسة، من بينها الإصلاح الأمني والعدالة الانتقالية، وإجراء المزيد من المناقشات حولها.
وكان هذا التوتر بين الطرفين بدأ بعدما دفعت قوات الدعم السريع بـ 100 مركبة نحو مطار مروي الذي يعتبر مطاراً استراتيجياً مسانداً لمطار الخرطوم المدني في حالات الطوارئ، ويضم قاعدة جوية عسكرية مساندة للمطار العسكري الأول الموجود بالخرطوم، تشمل دفاعات جوية عن شمال ووسط وغرب وشرق السودان.
كما تعتبر أيضا منطقة تمركز بديلة للقوات الجوية. كذلك تضم أكبر مشروعين زراعيين في الولاية الشمالية تم إنشاؤهما منذ عهد الاستعمار الإنجليزي، فضلا عن أكبر سد كهرومائي في السودان، ويبلغ عدد سكان مروي نحو 120 ألف نسمة وتضم المنطقة عدداً من القبائل أبرزها الشايقية والبديرية والحسانية والهواوير.
وكانت المحادثات في السودان تستهدف التوصل إلى اتفاق نهائي لتعيين حكومة مدنية، وبدء انتقال جديد نحو الانتخابات وصلت إلى طريق مسدود بشأن القضية الشائكة المتمثلة في إعادة هيكلة الجيش، إذ كان دمج قوات الدعم السريع ووضع الجيش تحت سلطة مدنية من المطالب الأساسية للاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير منذ أربع سنوات، فيما يعتبر محللون أن إصلاح قطاع الأمن حاسم في فرص السودان في التحول إلى الديمقراطية.
وكان من المقرر التوقيع على إعلان دستوري أكثر رسمية في السادس من أبريل، مع حكومة مدنية من المقرر تسميتها في 11 أبريل، إلا أن تأجيل الاتفاق، قد يرجئ تلك الخطط، بحسب مراقبين.
يُذكر أن رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، دعا خلال كلمة ألقاها في افتتاح المناقشات حول الإصلاح الأمني والعسكري والتي نص عليها الاتفاق الإطاري الذي وقعه العسكريون مع المدنيين في ديسمبر الماضي، إلى التوقف عن مساندة الحكومات الديكتاتورية كما سبق أن فعلت خلال العقود الأخيرة.
ويقول محلّلون إن إصلاحات قطاع الأمن، وخصوصًا دمج قوات الدعم السريع في الجيش، هي نقطة الخلاف الرئيسية بين البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” والذي يقود هذه القوات شِبه العسكرية التي تشكلت في عام 2013 للقضاء على التمرّد في دارفور.
لكن الرجلين حضرا افتتاح تلك المناقشات مع دعوتهما إلى إتمام عملية الدمج، وقال دقلو إن “الإصلاح الأمني والعسكري مهمة ليست سهلة ونسير نحو إقامة جيش موحد (..) قبلنا الإصلاح الأمني والعسكري برضا ووعي بضرورة وجود جيش مهني موحد”، مؤكدا أن قوات الدعم السريع لن تتخلى عن “خيار التحول الديمقراطي”، بينما أكد البرهان سعيه إلى “بناء جيش مهني بعيدًا عن السياسة”.