رغم التطبيع القائم بين دولة قطر وإسرائيل منذ عام 1996، كأول دولة خليجية تفتح سبل التطبيع معهم، في كافة المجالات الحربية والاجتماعية والسياحية والاقتصادية والرياضية، ورغم مساعيها خلال العقود الماضية لإقناع دول الخليج بضرورة التعاون الخليجي الإسرائيلي، إلا أن النظرة اختلفت باختلاف أجنداتها السياسية الحالية التي باتت موالية لتركيا وإيران خوفًا من وقف دعمهم لها.
يعود تاريخ التطبيع الدبلوماسي بين قطر وإسرائيل لفترة انقلاب حمد بن خليفة على والده، وظهرت أجندات جديدة بدولة قطر ووضعت سياسات دخيلة على منطقة الخليج، وبدأت حالة الفرقة التدريجية بينها وبين الأشقاء العرب وبث حالة الكراهية وزعزعة استقرار منطقة الخليج والشرق الأوسط.
وفي عام 1996 وقَّعت قطر اتفاقية التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة بعد الانقلاب بنحو ستة أشهر وتحديدًا في العام 1996، تم بموجب الاتفاق بناء قاعدة “العديد” الجوية بتكلفة تزيد عن مليار دولار أميركي.
وكانت قضية التطبيع مع إسرائيل من أولويات الأمير “حمد بن خليفة”، حيث بدأت الإجراءات التنفيذية لإرساء قواعد وقنوات اتصال وارتباطات مشتركة بين قطر والدولة العبرية باكرًا، فبعد مدة وجيزة من انتهاء حرب الخليج الأولى عام 1991، كان موقف قطر متميزًا من إسرائيل قياسًا بجيرانها، إذ أعربت عن رغبتها في إعادة النظر في سياسة المقاطعة العربية إذا جمدت إسرائيل البناء الاستيطاني.
وبدأ التأسيس للعلاقات مع إسرائيل رسميًا بعد أشهر من التنسيق الخفي، في إبريل من العام 1996، وكان أول قرار اتخذه الشيخ حمد بن خليفة، بعد خطاب تنصيبه المتلفز، هو فتح مكتب تمثيل المصالح الإسرائيلية في الدوحة، وفي إبريل من ذات العام زار رئيس الحكومة الإسرائيلية وقتها شمعون بيريز قطر وافتتح مكتب تمثيل المصالح الإسرائيلية، لتصبح الدوحة العاصمة الخليجية الوحيدة التي سمحت بحضور مسؤول إسرائيلي دائم في أراضيها، ومنذ ذلك الوقت، تعاقبت زيارات كبار المسؤولين الإسرائيليين ومن بينهم وزيرة الخارجية تسيبي ليفني عام 2008.
ومنذ أن بدأت موجات ما يسمى “الربيع العربي”، انتهجت قطر سياسة خارجية تتمحور حول تقديم مختلف الدعم لحركات الإسلام السياسي وتنظيماتها المسلحة، وبما في ذلك التنظيمات الإرهابية طبقًا لقرارات مجلس الأمن، وناصبت الدوحة العداء للدول الوطنية العربية، ومؤسساتها العسكرية والأمنية، وأزكت الاقتتال والتناحر الطائفي والعرقي في مختلف بؤر الصراع، دون أن تتخلى قطر عن نمط الازدواج في أدوارها الخارجية، لتتولى قطر إدارة تمويل التنظيمات المسلحة والإرهابية التي تستهدف النظام السوري ومؤسساته، وأيضًا الأهداف الإيرانية، لتقدم قطر دعمًا سياسيًا سخيًا لإيران وتذهب لترسيخ علاقاتها الدبلوماسية مع طهران.
أما في علاقاتها مع تركيا، فانتقلت لمستوى من الارتباط الإستراتيجي والتوافق في كل بؤرة صراع بالمنطقة تقريبًا، حيث استضافت الدوحة أول قاعدة عسكرية تركية في الخليج، وثاني أكبر القواعد العسكرية التركية في الخارج منذ العام 2017، ما سمح بتحوُّل الدوحة لنقطة تهديد كبرى لمنظومة الأمن القومي العربي، جراء آفاق التعاون الواسعة التي ما زالت تحكم العلاقة التي من الممكن وصفها بالتكاملية بين قطر وتركيا وإيران وما بها من تنسيق استخباراتي وسياسي وأمني.
وفي تلك الأثناء وصل سقف العلاقة مع إسرائيل لمستوى تعدى التطبيع الخفي، ليصل للشراكة الحقيقية والمعلنة في مجالات التجارة، حيث كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت، حجم التبادل التجاري بين تل أبيب والدوحة والذي بلغ 12 مليار دولار، في أعقاب الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي مرت بها الدوحة عقب إعلان الرباعي العربي مقاطعة قطر في 5 يونيو من العام الماضي، موضحة الصحيفة أن تل أبيب تصدر للدوحة معدات وماكينات، في حين تستورد إسرائيل من قطر المواد الخام المستخرجة من البترول والتي تستخدمها إسرائيل في تصنيع البلاستيك أكثر المواد المشهورة بها إسرائيل في مجال التصدير.
وفي مجال السياحة، باتت قطر وجهة آمنة للسياح الإسرائيليين الذين لا يجدون أي عقبات لزيارة البلد التي تبث منها قناة الجزيرة المعادية لدولتهم ظاهريًا والمنفذة لأجندات القصر داخليًا.