يعاني تنظيم الإخوان مؤخرا من أزمة بنيوية حادة، تزامناً مع حالة الصراع الداخلي الممتدة منذ أعوام، والتي أنتجت حالة غير مسبوقة من التفكك والانهيار التنظيمي، إضافة إلى حالة الجمود السياسي والحركي التي تعصف بالتنظيم الراهن وتدخله في حالة “موت مؤقت”، وفقا لما وصفه مراقبون.
ورغم حالة التشظي التنظيمي، ترفض الجماعة إجراء أيّ مراجعات فكرية جادة، رغم تكرار هذا الطرح من جانب مجموعة من القيادات البارزة في التنظيم الدولي، باعتباره المخرج الوحيد لإنقاذ الجماعة وتبييض سمعتها، بعد تورطها رسمياً في عشرات العمليات الإرهابية التي نفذتها في مصر عقب سقوطها عن الحكم في عام 2013.
وهو ما تناولته دراسة حديثة صادرة عن مركز “تريندز للبحوث والاستشارات” للباحث المصري المختص بشؤون الإرهاب منير أديب، تحت عنوان: “غياب المراجعة الفكرية لـ(الإخوان) وحضور التراجع السياسي”؛ إذ استعرضت أسباب وتداعيات حالة الجمود الحركي والتنظيمي التي تواجه الجماعة، ومستقبل التنظيم في ضوء التطورات الراهنة بهذا الصدد.
وقالت: جماعة الإخوان المسلمين أصابتها حالةٌ من الجمود والتراجع كحال باقي تنظيمات الإسلام السياسي، حتى صارت نموذجاً لكل التنظيمات الأخرى التي حذت حذوها في اتجاه التكلُّس الديني والسياسي، وذلك بعدما رفضت طرح أيّ مبادرات حقيقية، سواء فكرية وفقهية أو على مستوى الممارسة السياسية، بحسب أديب.
وأضافت: أنّ الجماعة رفضت إجراء المراجعات داخلياً، ورفضت أيضاً أيّ طرح لها من خارجها، حتى باتت الجماعة نفسها خارج دائرة العمل والزمن، حتى وإن كانت بعض بقاياها بقيت تعمل وموجودة حالياً في بعض الأقطار، غير أنّها ما زالت تعيش بعقل 100 عام مضت.
وتابعت: إنّه في الوقت الذي قارب فيه عمر جماعة الإخوان المسلمين الـ100 عام، لم تمرّ بأيّ تجربة تتعلق بمراجعة أفكارها قديماً أو حديثاً، وترى أنّ أفكارها تمثّل قمّة الاعتدال الديني، ولذلك ظلت أفكار المؤسس الأول حسن البنا محصّنة بشكل كامل طوال العقود الماضية بعيداً عن أيّ نقد.
وأشارت إلى أنّ الأفكار التي لم تراجعها الجماعة تمثّل قاعدة المناهج التربوية التي يستقيها أعضاؤها في اجتماعاتهم الأسبوعية وتُشكّل جانبها الروحي والفكري، ويرتبط بها عضو الجماعة منذ أن ينضم إليها، ويظل مواظباً عليها حتى وفاته.
واتجه الإخوان في ظل ظروف معينة، إلى القيام ببعض المراجعات على مستوى الممارسة السياسية، لكن من دون الاقتراب من الأفكار المؤسِّسة للتنظيم، سواء التي طرحها المؤسِّس الأول أو تلك التي تمثّل ركيزة الجماعة في الفكر والعمل، وحتى هذه المراجعات كانت قليلة وارتبطت ببعض الصدمات التي تعرّض لها التنظيم على مرّ التاريخ.
وفي حين طالب بعض شباب الجماعة داخل السجون بإجراء مراجعات، لكنّ هذا الطلب كان في إطار المطالبات الفردية التي لم تعترف بها الجماعة، بل على العكس حاربتها كما حاربت الداعين إليها.
وترى الدراسة أنّ عدم اعتراف الإخوان بالعنف يُعدّ العقبة الرئيسية أمام التنظيم لإجراء أيّ مراجعة تتعلق بالفكر المتطرف. ويقول: إنّ “الجماعة تزعم أنّها لم تمارس عنفاً، وأنّ ممارستها للعنف كانت ترتبط بظرف سياسي، كما أنّهم لم يعترفوا بأنّهم أخطؤوا في تفسير نص ديني، أو أنّهم قاموا بتأويل بعض الآيات خروجاً عن سياقها، ولذا لم يرَوا حاجة إلى مراجعة أفكارهم، أو حتى الاعتذار عمّا بدر منهم فيما يتعلق بالسلوك الذي عكسه تفسيرهم الخاطئ للنصوص.
ولذا يبقى عدم اعتراف الإخوان بممارسة العنف العقبة الأولى أمام عدم مراجعتهم للأفكار، فكيف يراجعون أفكاراً يؤمنون بأنّها سلمية تماماً، وأنّها تنبذ العنف، حتى إنّهم أكّدوا أنّهم يتعبّدون الله بأعمال النظام الخاص الذي أنشئ قبل ثورة 1952 من أجل أن يكون ذراعاً عسكريّة للجماعة”.
ولفتت إلى أنه “لا يوجد في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين ما يؤكد أنّ الجماعة راجعت أفكارها، برغم عمرها الممتد، وهذا ما يجعل البعض يُراهن على عدم اتجاهها إلى إجراء أيّ مراجعات، سواء على المدى القريب أو البعيد، ودلّل هؤلاء على صحة وجهة نظرهم بالإشارة إلى الحال الذي تمرُّ به الجماعة، فبرغم أنّها تعرّضت لجملة من التطورات الدراماتيكية في الأعوام الماضية، على نحو لم تعرفه عبر تاريخها، إلا أنّها تحلّت في مواجهة تلك التطورات بحالة من الإنكار جعلتها تحمّل الجميع مسؤولية ما جرى لها بسببها، من دون أن تشير، ولو من طرف خفيّ، بإصبع الاتهام إلى مناهج التفكير أو التدبير التي حكمت سلوكها”.
ومقابل عدم إجراء الجماعة أيّ مراجعات فكرية، فإنّها لجأت إلى القيام بمراجعات سياسية بهدف تجنُّب الضغوط عليها أو بهدف تحقيق مصلحة معيّنة في توقيت معيَّن، وبما يمكّنها من مواجهة أيّ دعوات لإجراء مراجعات فكرية.
وأوضحت الدراسة الحديثة أن المعادلة التي حكمت علاقة الجماعة مع النظام السياسي في مصر منذ عام 1981 حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، فقد حرصت الجماعة على تأييد النظام ومهادنته وعدم استفزازه، في ظلّ رغبتها في الحفاظ على بقائها، وقناعتها التامة بقوة النظام وتمتّعه بقدر كبير من الشرعية في ظل صراعه المسلّح مع جماعات التطرف المسلحة آنذاك.
وشجّعت السلطات في مصر فكرة المراجعات، وكانت لها تجربة ناجحة مع الجماعة الإسلامية التي أعلنت تخلّيها عن العنف عام 1997، بعد أعوام من القتال المسلّح ضدّ رموز الدولة المصرية، ومن بينهم الرئيس الأسبق محمد أنور السادات الذي اغتيل على يد أعضاء الجماعة، وبحسب ناجح إبراهيم، القيادي السابق في الجماعة الإسلامية، ساعدت الدولة آنذاك في نجاح هذه المراجعات؛ إذ حوّلت السجون إلى مقارّ للندوات والمسرحيات والأنشطة الرياضية، قبل أن تساعد مسجوني الجماعة في إيجاد وظائف والاندماج في المجتمع بعد خروجهم.
بينما الأمر يبدو مختلفاً بالنسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين، فبرغم أنّ الدولة لم تقف في طريق دعوات المراجعات التي أطلقها بعض شباب الجماعة في السجون، إلا أنّها لم تتبنَّ ذلك الموقف الذي تبنّته مع الجماعة الإسلامية في التسعينيات من القرن الماضي، الذي يتعلق بقدرة قادتها على الاعتراف بالممارسات الخاطئة، وجدية المراجعات الفكرية التي تمّت آنذاك، وفي المقابل يرفض قيادات الإخوان الفكرة جملة وتفصيلاً.
وأردفت أنّ جماعة الإخوان المسلمين لا تؤمن بفكرة المراجعات الفكرية، وتعتقد أنّها وحدها تمثّل الإسلام الوسطي، ولا ترى أنّها أخطأت أو أنّ هناك حاجة إلى إجراء مثل تلك المراجعات، موضحة أنّ الجماعة، إضافة إلى أنّها لا تؤمن بفكرة المراجعات الفكرية، فإنّها تجاهلت أيّ دعوة تُوجّه إليها لإجراء هذه المراجعات، حتى أنّها رفضت كذلك تلك الدعوات التي أطلقها بعض أعضائها بين الحين والآخر، وكان مصير أصحاب هذه الدعوات، إمّا الخروج من الجماعة طواعية، وإمّا أن تقوم الجماعة بإخراجهم منها.
ورغم ما يثار عن مراجعات بعض شباب الإخوان في السجون، خصوصاً بعد عام 2013، فإنّ الجماعة لم تُعر مثل هذه المراجعات أيّ اهتمام، وتعاملت مع أصحابها بالتخلي عنهم أثناء فترة وجودهم في السجون، ومقابل مواجهة ما كانت تتعرض له الجماعة من ضغوط، فإنّها لجأت إلى ما يمكن تسميته بالتراجعات السياسية التي استهدفت من خلالها مواجهة تلك الضغوط، والمثال الأبرز في هذا الصدد هو ذلك الملف الذي أعلنته في مارس 2017، واستهدف مواكبة متغيرات خارجية أبرزها مجيء إدارة ترامب لحُكم الولايات المتحدة التي كانت تسعى لتصنيف الجماعة منظمةً إرهابيةً.