رغم انضمام العديد من الدول لاتفاقية السلام مع إسرائيل وتهدئة الأوضاع والاتجاه إلى المزيد من الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، إلا أنه ما زالت بعض الأطراف يحاولون تشويه ذلك لأجل مصالحهم الخاصة والترويج لادعاءاتهم الخاصة بشأن مثالية القومية العربية للتأثير على الرأي العام المحلي والدولي.وهو ما يتكرر مجددا حاليا مع انضمام السودان للاتفاق، إذ إنه لأول مرة، تعترف السودان بزيارة مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، بحضور وزير الخارجية الإسرائيلي إلى السودان يؤكد نية البلدين في تنفيذ اتفاق السلام، لكن العقبات متعددة أمامهما.وسرعان ما قفز رأس السموم القطرية حمد بن جاسم رئيس الوزراء السابق، ويستغل الأوضاع ليروج إلى مزاعمه الخبيثة وينشر الدسائس لتعكير صفو السلام، متجاهلا التاريخ القطري الضخم مع إسرائيل ومتاجرتها بالقضية الفلسطينية.ونشر حمد بن جاسم، في سلسلة من التغريدات عبر حسابه الرسمي على موقع “تويتر”، كتب فيها: “رأيت الابتسامة والفرح على وجه رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان عندما استقبل الوفد الإسرائيلي الذي زار الخرطوم مؤخرا. ومع أني لا أمانع في ذلك، فإني أتساءل ما هو ثمن هذه الحفاوة وما الفائدة التي سيجنيها السودان من هذا الانفتاح على إسرائيل؟”.وتابع في منشوره محاولا بث السموم والادعاءات به: “وأنا على يقين أن السودان وشعبه من أكثر الدول العربية التزاماً بالقضية الفلسطينية وتأييداً لحقوق الشعب الفلسطيني والقضايا العربية الأخرى. وقد دفع السودان ثمناً باهظاً لهذه المواقف القومية الأصيلة، ولكني أعتقد أن الفائدة ستعود على الطرف الذي نصح السودان بإقامة علاقات مع إسرائيل”.وروج إلى أنه: “نحن في قطر سبق لنا أن أقمنا علاقات مع إسرائيل وسمحنا لها بفتح مكتب تجاري لأسباب ذكرتها مرات عديدة في السابق، ثم أغلقناه مناصرة للقضية الفلسطينية عندما استدعى الوضع ذلك.. وربما جنينا فوائد سياسية في ذلك الوقت ولكن كل تلك القرارات كانت قرارات ذاتية بعيداً عن أي نصيحة من طرف آخر، ولم تكن تتعارض في ذلك الوقت مع المصالح العربية”، وفقا لادعاءاته.وزعم حمد بن جاسم أنه: “وإذا كان السودان يعتقد الآن أن هذه العلاقات مع إسرائيل ستقربه من أميركا بناءً على نصيحة فهذه نصيحة فاشلة”.ويبدو أن عراف السياسة القطرية غارق بين مثالية القومي العربي المزيفة وواقع السياسة القطرية المطبعة التي تجمعها علاقات قوية مع إسرائيل، إذ إنها استضافت الإسرائيليين في كأس العالم، بنهاية العام الماضي.ومع تلك التغريدات المثيرة للجدل، تناسى تاريخه السابق في دعم إسرائيل إذ إنه في مايو ٢٠٢١، نشر تغريدات أيضا جدد عبرها رئيس الوزراء القطري السابق، تأييده لخطوة تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، مؤكدا بذلك العلاقات بين قطر وتل أبيب.وقال بن جاسم في حوار مع قناة RT الروسية: “نحن أول من بدأنا بالعلاقات مع إسرائيل، الآن وما زلت مؤيدا للسلام مع إسرائيل”، حسب قوله، متجاهلا استعداده لإعلان التطبيع المجاني دون حل القضية الفلسطينية. وسبق أن صنع بنفسه عراف السياسة القطرية العديد من العلاقات مع تل أبيب، عبر زيارات سرية لإسرائيل، إذ اعتاد بن جاسم القيام بها إبان عمله وزيرا للخارجية القطرية (1992-2013) ورئيساً للوزراء (2007-2013) أسهمت في تكريس الانقسام الفلسطيني، حيث تعتمد سياسته القطرية المتناقضة على الدفاع عن القضية الفلسطينية في العلن وبيعها بلا ثمن في الغرف المغلقة، وعرضت مرارا وتكرارا تطبيعا مجانيا بلا مقابل، فكرست الانقسام الفلسطيني وأسهمت تدخلاتها في خسائر متلاحقة لقضية العرب الأولى وتراجع الاهتمام ببحث حلول لها دوليا.في تغريداته عبر “تويتر”، حاول مرارا بن جاسم باستماتة التشكيك في أهمية معاهدة السلام الثلاثية بين الإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل والافتراء عليها كما اعتاد، رغم إيقافها خطة الضم الفلسطينية، محاولا تبرير ذلك بأكاذيب، قام هو نفسه بتكذيبها سابقا، إذ كتب: “أريد أن أستذكر أوقاتاً قريبة عندما فتحنا المكتب التجاري الإسرائيلي وأقمنا مع إسرائيل علاقتنا علنية بعد انعقاد مؤتمر مدريد للسلام”.وزعم: “كان هدفنا من ذلك تشجيع إسرائيل على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة إلى حدود الرابع من يونيو 1967 بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة، وفق المقررات الدولية والمبادره العربية للسلام التي طرحها الملك عبدالله رحمه الله”.وكشفت تلك التغريدة إصرارا متواصلا من قطر للمتاجرة بالقضية الفلسطينية، وتعمد بن جاسم نسيان اعتراف سابق له في حوار مباشر مع التلفزيون القطري يوم 25 أكتوبر 2017 بأن الدوحة أقامت علاقات مع تل أبيب، وتقربا من أميركا وكان من المهم إقامة علاقة مع إسرائيل كي تفتح لك أبوابا كثيرة في أميركا، وهو ما أوضح محاولة تثبيت حكم حمد بن خليفة أمير قطر السابق بعد انقلابه على والده في 27 يونيو 1995، حيث سارع أمير قطر السابق إلى إقامة علاقات مع إسرائيل، بعد عام واحد من توليه الحكم، وحينها تم افتتاح المكتب التجاري في الدوحة من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلي حينها شمعون بيريز عام 1996، ما يشير إلى أنه “أكثر من مكتب”، إذ إن رئيسه كان يحوز رتبة سفير في الخارجية الإسرائيلية.ولم يتم التوقف عند هذا الحد؛ بل تم توقيع اتفاقية لبيع الغاز القطري إلى إسرائيل، وإنشاء بورصة الغاز في تل أبيب، وجرى تأسيس قناة الجزيرة، مطلع نوفمبر 1996، لتتولى أكبر عملية تطبيع إعلامي على مدار الساعة، وتصبح نافذة يطل منها المسؤولون الإسرائيليون آناء الليل وأطراف النهار داخل كل بيت عربي.واستكمالا لسياسة الانتهازية السياسية، صرح بن جاسم في مايو 2013 في حوار مع محطة (سي. إن. إن) بأن قطر قد تفكر في توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل إذا كان هذا الأمر يخدم مصلحة بلاده.كما ادعى بن جاسم بأن موقف قطر من التطبيع كان “واضحا ومنسجما مع الموقف العربي والدولي الشامل”، قبل أن يرتدي ثوب المظلومية بقوله: “نُهاجَم حتى اليوم في كل مناسبة بسبب تلك العلاقة”.كما كشفت مسبقا القناة العاشرة بالتلفزيون الإسرائيلي في تقرير سابق لها أن حمد بن جاسم سبق والتقى وزيرة خارجية إسرائيل السابقة تسيبي ليفني في أحد الفنادق بنيويورك، مؤكداً رغبة الدوحة في إقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب تتمثل في إنشاء سفارات وتمثيل تجاري، دون الاشتراط بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.