٥ أعوام مرت على تخلص دولة العراق من آفة تنظيم داعش الإرهابي، شهدت خلالها مساعي حثيثة لاستعادة الأمن والاستقرار، رغم المحاولات بين الحين والآخر لافتعال الأزمات والخلافات، لذا يحذر خبراء ومراقبون من أن الأسباب التي أدت لظهور التنظيم المتطرف لا تزال موجودة ويمكن أن يستغلها في أي لحظة للعودة مجددا.
وأعلنت بغداد “انتصارها” على تنظيم داعش نهاية عام 2017، لكن بعد خمس سنوات، تواصل القوات المسلحة مواجهة الخلايا المتطرفة بشكل متقطع، لا سيما في المناطق الريفية والجبلية النائية في وسط وشمال البلاد.
في بيان على لسان الجنرال الأميركي، قائد قوات المهام المشتركة، ماثيو ماكفارلين، بمناسبة حلول الذكرى، وصف التحالف الدولي ضد داعش في العراق وسوريا ما جرى بأنه “انتصار كبير وبداية مستقبل مزدهر للعراق”، لكنه قال أيضا: إن “ما يتبقى اليوم هو عودة جميع النازحين إلى ديارهم ومنع انتشار أيديولوجيات داعش المتطرفة والإرهابية”.
بدوره قال رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في بيان بمناسبة الذكرى: إن الطريق لا يزال طويلا “لقطع دابر جميع الفتن وقَبْر أحلام التطرف وخطاب الكراهية، وأيضا ينتظرنا الكثير من العمل في الإصلاح والتنمية وتحقيق العيش الكريم”.
في 29 يونيو 2014، أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” آنذاك تأسيس “دولة الخلافة الإسلامية” في مساحات شاسعة سيطر عليها في سوريا والعراق.
وأكد خبراء في شؤون الجماعات المتطرفة، أن أبرز ما تحقق خلال السنوات الخمس الماضية “هو إخراج التنظيم من مناطق سيطرته، وبالتالي إنهاء السيطرة المكانية التي فرضها منذ عام 2014″، مضيفا “الآن لم يعد أي وجود مرئي للتنظيم، وسيطرته انتهت”.
وأشاروا إلى أن “التنظيم تحول اليوم من حالة المركزية إلى اللامركزية وأصبح وجوده كتنظيم وليس كخلافة أو دولة على الأرض”، فضلا عن أن “هذا الإنجاز الكبير الذي تحقق بمساعدة التحالف الدولي يتطلب مواجهة التنظيم الذي طالما كان يختفي ويظهر مجددا لوجود الأسباب التي تساعده على ذلك”.
كما أن “ما لم يتحقق لغاية اليوم هو المقاربة الشاملة للتعامل مع مسألة التهديد الإرهابي بشكل عام وداعش بشكل خاص”، بينما “الأسباب الحقيقية التي أدت لظهوره ما زالت موجودة، من المظالم السياسية إلى الانقسام المجتمعي والطائفية والمشاكل التي يعاني منها العراق”.
ويرى الخبراء أنه “أحيانا ربما تجذرت هذه الأسباب وزادت نتيجة عدم حل أزمة النازحين والمعتقلين وغياب الحلول المتعلقة بمخيم الهول المليء بعائلات داعش من العراقيين، واستمرار الأزمة الاقتصادية وغيرها”، وتعتبر “المعالجات لا تزال مكتفية بالحلول الأمنية، مع إهمال باقي لملفات: الاقتصادية والأيدلوجية والفكرية والسياسية التي لم تحقق أي تقدم يُذكر”.
فيما لا يزال هنالك نحو 30 ألف عراقي في مخيم الهول للنازحين في سوريا، بينهم 20 ألف طفل، أعادت منهم السلطات العراقية أكثر من 450 عائلة حتى الآن.
وبحسب تقرير صدر عن البنك الدولي في يناير الماضي فإن “العائلات التي يعتقد أنها مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية، تجد عودتها متوقفة بسبب عوامل أمنية، ورفض المجتمع ووصمة العار، ومعرضة للاعتداءات الثأرية”.
وذكر التقرير أنه “من الشائع أن يشعر السكان في مناطق العودة بالخوف من أن رجوع العائلات التي يعتقدون أنها ساندت تنظيم الدولة الإسلامية أو لا تزال، سيزعزع استقرار مجتمعهم ويخلق مخاطر جديدة على الأمن والعلاقات الاجتماعية”.
وأكد المراقبون أو “هناك رفض شعبي واضح اليوم للتنظيم في المناطق المحررة، مع تعاون من قبل الأهالي والقوات الأمنية لرصد عناصر التنظيم”، لذا فإن “السلطات العراقية والطبقة السياسية والاجتماعية بحاجة إلى تعزيز زخم هذا التعاون وضمان عدم انخراط السكان المحليين في الأفكار المتطرفة”.
وأوضحوا أن “السلطات بحاجة إلى تسليط اهتمام أكبر بملف النازحين، الذين يعاني مئات الآلاف منهم من أوضاع سيئة”، مشيرا إلى “الضعف الواضح في ملف إعادة إعمار المناطق المحررة التي دمرت خلال الحرب مع داعش”، لافتين إلى وجود “مشكلة حقيقية” تواجه السلطات العراقية وتتمثل في الرفض المجتمعي للعائلات التي انتمى أحد أفرادها للتنظيم في السابق.
وما زالت تعد “عملية إدماج هؤلاء وإرجاعهم لمناطقهم لا تزال صعبة جدا وخاصة أولئك المتواجدين في مخيم الهول بسوريا”، لافتا إلى أن “هناك أطفالا تربوا في المخيم وتشبعوا بأفكار التنظيم وهؤلاء بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة عندما يكبرون”.
على الصعيد العسكري أشار تقرير صادر عن مجلس الأمن الدولي، في يناير 2022، إلى أن التنظيم “حافظ على قدرته على شن الهجمات بمعدل ثابت في العراق، بما في ذلك تنفيذ عمليات كر وفر ونصب الكمائن وزرع القنابل على جنبات الطرق، مع تركز نشاطه بشكل ملحوظ في محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين”.
وأضاف التقرير أن التنظيم يستغل “سهولة اختراق الحدود” بين العراق وسوريا، ويضم “ما بين 6 آلاف إلى 10 آلاف مقاتل في كلا البلدين حيث يشكل خلايا ويدرب عناصر لشن الهجمات”.
في هذا الإطار، يستبعد أن يشكل التنظيم أي تهديد حقيقي “على المدى القريب”، لأنه غير قادر على السيطرة على مناطق كما فعل في 2013 و2014، لكن مع ذلك فإن داعش “معروف بأنه متواجد ويتمتع بهيكلية ويشن هجمات ثابتة في العراق وسوريا، وبالتالي فإن عودته ممكنة مع عدم معالجة جذرية لأسباب ظهوره في السابق”.
ويعتبر التحدي الأكبر” في المرحلة المقبلة يتمثل بدور التحالف الدولي في محاربة داعش، الذي “تراجع” في ظل ظهور أولويات أخرى للولايات المتحدة كمواجهة الصين والحرب في أوكرانيا وتداعيات كورونا وأزمات البيئة، فضلا عن أنه “مع تراجع الاهتمام بالإرهاب الدولي تراجعت عمليات التحالف وهدأت، وهذا يعطي مجالا للتنظيم لإعادة ترتيب صفوفه”.