دائما ما تستغل تركيا كافة الأحداث العالمية لمصالحها الخاصة والظهور بدور الدولة الوسيطة لحصد مكاسب زائفة؛ لذا تريد أن تصبح قوة أوروآسيوية ذات نفوذ مستغلة الأزمات السائدة حيث تواجه روسيا ضغوطًا دولية متزايدة واضطرابًا داخليًا.
وأكد موقع “واشنطن إيكزامينز”، أن أنقرة تهدف إلى كسب حلفاء جدد في شمال وجنوب القوقاز وآسيا الوسطى وبين العديد من الناطقين بالتركية المحاصرين في الاتحاد الروسي، وسوف يأتون ليروا تركيا حيث تقدم نفسها لهم كأهم رابط سياسي واقتصادي وأمني لهم، بينما خطط موسكو للسيطرة على أوراسيا تفشل.
فيما أن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وهو تقليد باهت للاتحاد الأوروبي، يجلب القليل من الفوائد المادية، في حين أن منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي يهيمن عليها الكرملين، وهي نظير مفترض لحلف شمال الأطلسي، غير قادرة على الدفاع عن أعضائها في آسيا الوسطى والقوقاز ويتم النظر إليها كغطاء للهيمنة الروسية.
وفي ذلك الوقت أردوغان يستغل كل هذه الفوضى العارمة والفراغ الجيوسياسي ويستغل في ذات الوقت كلا من روسيا وأوكرانيا فكليهما “بحاجة” إلى طريقة معززة للخروج من النزاع، مع انحسار نفوذ موسكو في خضم الحرب الدائرة في أوكرانيا والعقوبات الدولية المشددة على نحو متزايد، فإن تركيا تطرح نفسها لملء الفراغ.
وعززت أنقرة مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية (المجلس التركي)، ومقره في إسطنبول والذي ضم في البداية أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركيا وأوزبكستان. في قمتها الثامنة في نوفمبر 2021، أعيدت تسميتها باسم منظمة الدول التركية، وحتى تركمانستان المحايدة انضمت في سبتمبر 2022.
أثبتت الحرب الأذربيجانية الأرمينية في صيف عام 2020 أنها مفيدة إستراتيجيًا لأنقرة وزادت من نفوذها بين المتحدثين باللغة التركية.
وأكد “إعلان سوشا”، الذي وقعه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في يونيو 2021، على دور أنقرة كضامن لحدود أذربيجان، وتعهد بالمساعدة المتبادلة في حالة هجوم من قِبل دولة ثالثة، وأثار الاحتمالات لإنشاء قواعد عسكرية تركية في أذربيجان، وعمقت مثل هذه المبادرات الذعر في موسكو من أن تركيا أصبحت أكثر طموحًا في الترويج لـ”العالم التركي”.
بينما أدان مسؤولو الكرملين تركيا باعتبارها إسفينًا لحلف شمال الأطلسي في منطقة نفوذ موسكو، وأكدوا أن أنقرة لا تسعى فقط إلى اتحاد للدول التركية، ولكن أيضًا جمع كل الدول الناطقة بالتركية، بما في ذلك تلك الموجودة داخل الاتحاد الروسي التي ستسعى بشكل متزايد إلى رعاة من الخارج وشركاء.
وهناك العديد من الدول والجمهوريات الناطقة بالتركية داخل الحدود الإمبراطورية لموسكو بالإضافة إلى الدول ذات الأغلبية المسلمة غير التركية التي ستسعى للحصول على الحماية مع تفاقم الأزمة الروسية، ومنذ زمن ليس بالقصير وحكومة العدالة والتنمية تسعى بجميع الوسائل لأن تكون صاحبة اليد الطولى والكلمة الفصل على تجمع صارت تطلق عليه المجلس التركي وهو تجمع للدول الناطقة بالتركية.
وتم الإعلان رسميا عن تأسيس المجلس الذي يضم تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا وأوزبكستان، خلال القمة العاشرة لزعماء البلدان الناطقة بالتركية، التي استضافتها مدينة إسطنبول يومي 15 ـ 16 سبتمبر 2010.
ويتكون المجلس التركي من مجالس زعماء الدول الأعضاء، ووزراء الخارجية، وما يعرف أصحاب اللحى البيضاء (في إشارة إلى قادة الرأي القادمين من البلدان الأعضاء)، ولجنة كبار الموظفين والأمانة العامة التي يوجد مقرها حاليا في مدينة إسطنبول.
وتعد جمهورية أوزبكستان هي آخر الدول التي انضمت إلى مجلس اللغة التركية حيث أعلن رئيس أوزبكستان شوكت ميرضيايف، انضمام بلاده لمجلس الدول الناطقة بالتركية، واصفًا القرار بـ”الحدث المهم والعظيم”، وبانضمام أوزبكستان، يرتفع عدد أعضاء دول “مجلس التعاون للدول الناطقة باللغة التركية” ويعرف اختصارًا بـ”المجلس التركي”، إلى خمسة دول أعضاء.
وعلى صعيد آخر، اهتمت تركيا بالعلاقات المتنامية مع كازاخستان بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق حيث تم تدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام 1992 وكانت تركيا أول دولة تعترف باستقلال كازاخستان 1991 ثم أقامت العلاقات الدبلوماسية معها بعد عام واحد.
ولكن لن تكون أنقرة قادرة على تجنب تداعيات الاضطرابات الروسية ويجب أن تعمل على ضمان قدر من الاستقرار بين الدول الشقيقة وأتباعها.
توفر إعادة التنظيم الإستراتيجي التي بدأت في أوراسيا فرصة ثمينة لواشنطن لإعادة التواصل مع تركيا من خلال الاعتراف بدورها الإقليمي المحوري وروابطها التاريخية والعرقية واللغوية والدينية في جميع أنحاء آسيا الوسطى والاتحاد الروسي، ويمكن للولايات المتحدة أن تساعد أنقرة في اتباع سياسات بناءة لضمان استقلال واستقرار الدول الناطقة بالتركية والأغلبية المسلمة عندما تخرج من سيطرة موسكو.