في ظل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، سارعت عدة دول لمحاولة تهدئة الأوضاع، لمنع تفاقم الخلافات وحفاظا على الأرواح وتجنبًا للأضرار العديدة التي وقعت جراء ذلك، بينما سارعت بلدان أخرى لاستغلال تلك الأحداث وتحويلها لأزمات عالمية لاستغلالها.
وفي صدارة تلك البلدان التي استغلت الحرب، هي تركيا، إذ إنها تحاول تصوير نفسها بأنها أصبحت قوة إقليمية منافسة، بينما هي في الواقع صارت قوة إقليمية صانعة للأزمات من حولها.
بعد نهاية الحرب الباردة، أنشأ الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة نظامًا دوليًا أحادي القطب قصير العمر، والذي عُرف باسم “النظام العالمي الجديد”، وهو النموذج الأمني الجديد لحقبة ما بعد الحرب الباردة، ولكن بمرور الوقت أدى النظام العالمي الجديد إلى التعسف وغياب القانون في السياسة الدولية، بينما تضاءل تأثير الأمم المتحدة ودور القانون الدولي في حل النزاعات تدريجياً، وتحول العلاقات الدولية إلى لعبة قوة واقعية، وفقا لموقع “أحوال” التركي.
وأشار الموقع التركي إلى أنه بعد اندلاع الأزمة السورية، ظهر توازن قوى متعدد الأقطاب بسبب ظهور لاعبين دوليين وإقليميين جدد، أبرزهم الصين كقوة اقتصادية عظمى وروسيا كقوة عسكرية عظمى، بينما حاولت تركيا اختلاق الأزمات، موضحا أن سياسات إدارة أوباما السلبية والمترددة تسببت إلى تسريع عودة العظمة الروسية إلى المسرح العالمي بعد نهاية الحرب الباردة.
ومثلت الأزمة السورية أحد العوامل الرئيسية التي دفعت تركيا إلى إحداث تغيير جذري في سياستها الخارجية، لذا عندما اندلعت الحرب الأهلية السورية، تدخلت القوى العالمية في سوريا سعيًا وراء أجندتها السياسية الخاصة، مما حول البلاد إلى ساحة معركة من التنافس الدولي على السلطة.
وحين ذلك، توهم أردوغان حينها وبدأ يروج، أن الولايات المتحدة دعمت وحدات حماية الشعب، التي تقول أنقرة إنه الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الإرهابي، ولهذا دخلت أنقرة في المستنقع السوري زاعمة تبني سياسة خارجية متعددة الأطراف، وأقامت حوارًا بنّاء مع روسيا وإيران وأصبحت أحد اللاعبين الرئيسيين في الأزمة السورية.
وخلال الحرب الأهلية السورية بعد أن تركت تركيا حلفاءها في الناتو وراء ظهرها، صار يتخيل أردوغان أنه يقود قوة عظمى حاله حال الولايات المتحدة وروسيا ، بينما تعلمت تركيا الدرس المؤلم المتمثل في انهيار النظام التقليدي للحلف.
وبدلاً من وضع ثقتها في التحالفات الدولية، أطلقت تركيا عمليات زعمت أن هدفها هو تعزيز الذات كدولة قومية وفي الحقيقة أنها اعتمدت بلطجة إقليمية شملت سوريا والعراق ثم امتدت إلى ليبيا.
ومع ذلك، أصبحت تركيا مهتمة بتبني سياسة خارجية متعددة الأطراف ومتعددة الأبعاد مدعومة ببنية دولة قومية قوية مع أوهام عثمانية في خيال أردوغان.
وبعد تبني هذه السياسة الخارجية الفوضوية، أصبحت لتركيا خطوط اتصالات مع جبهة النصرة ومرتزقة سوريون، ثم غرقت أكثر في الصراع مع حزب العمال الكردستاني، وجماعة غولن، وارتدت عليها داعش، بحسب موقع “أحوال”.
كما نفذت تركيا سلسلة من العمليات العسكرية عبر الحدود، واحتلت أراضي سوريا وما تزال تتواجد في أراض عراقية وسورية وليبية دون رادع قانوني، ثم انخرطت تركيا في الأزمات الإقليمية كوسيلة لتغيير قواعد اللعبة، وأبرمت تركيا معاهدة مثيرة للجدل مع ليبيا بشأن منطقة اقتصادية خالصة، وغيرت قواعد اللعبة في شرق البحر الأبيض المتوسط وزرعت الفوضى هناك.
وخلال حرب ناغورني كاراباخ، غيرت مشاركة تركيا مسار الحرب باصطفافها إلى جانب أذربيجان، واختتمت باستعادة أذربيجان لكاراباخ، عبر الكثير من الألاعيب التركية لنشر الفوضى.
واستخدمت تركيا جيشها لتخويف جيرانها، وعززت قواتها البحرية، واتخذت خطوات في صناعة الدفاع، وعلى سبيل المثال، بناء أنظمة الصواريخ والمركبات الجوية القتالية بدون طيار.
لذا مع ما تشهده الأزمة الحالية في أوكرانيا وزوال المنظمات على الساحة الدولية، سارعت تركيا لاستغلال الأمر ولعب دور خفي لاستغلال الأوضاع بالتعاون مع حليفتها قطر التي تحاول التدخل أيضا بالأزمة.
وأكد موقع “أحوال” أن مع هذا الوضع الذي تخيلت فيه تركيا أنها أصبحت قوة إقليمية منافسة بينما هي في الواقع صارت قوة إقليمية صانعة للأزمات من حولها، وهو ما يتكرر مع أزمة روسيا وأوكرانيا.